مها عبد القادر

عيد الأم عيدًا للأسرة المصرية

الخميس، 20 مارس 2025 04:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

حين يذكر الحنان تتجلى صورة الوالدين، وحين يُتحدث عن العطاء تشرق سيرتهما كنبع لا ينضب من المحبة والتفاني، ويُعد عيد الأم مناسبة مميزة للأسرة يجسد أسمى معاني الحب والوفاء، فهو ليس مجرد يوم عابر في رزنامة الأيام، بل هو إشراقة مضيئة تعيد للقلوب دفء المشاعر، وتمنحها فرصة للتأمل في رحلة ممتدة من البذل والصبر والتضحية، وهو احتفاءٌ بالقلب الذي لم يعرف يومًا الأنانية، وباليد التي امتدت بالعطاء اللامحدود دون أن تنتظر المقابل.
وفي الدولة المصرية يأخذ هذا العيد طابعًا خاصًا وبعدًا أكثر عمقًا، إذ تتداخل فيه خيوط التاريخ بالحاضر، ويمتزج فيه الدفء الأسري بالموروث الثقافي العريق وتتداخل فيه مشاعر الوفاء بحكايات الوالدين الذين يمثلوا رمزًا للقوة، ونبعًا للرحمة، وسندًا لا يميل مهما اشتدت العواصف؛ ليؤكدوا مكانتهم في المجتمع المصري باعتبارها الدعامة الأساسية التي يرتكز عليها كيان الأسرة، وحجر الزاوية في تنشئة الأبناء.

ولم تكن الأم المصرية يومًا مجرد راعية لشؤون البيت، بل كانت عبر العصور ركيزة الحضارة، وبوصلة القيم، والجسر الذي عبرت عليه الأجيال نحو مستقبل مشرق، ولقد حافظت على استقرار الأسرة وتماسكها، فكانت وما زالت نموذجًا يُحتذى به في الصبر، والقوة، والحنان، فمنذ عهد الفراعنة وحتى يومنا هذا، كانت المرأة المصرية في الصفوف الأولى، تربي بيد، وتحتضن أبناءها بمحبة لا حدود لها، تعلمهم أولى كلماتهم، وتسند خطواتهم المتعثرة، وتغرس فيهم قيم الشرف، والصدق، والأمانة، والاجتهاد.

وحين يكبرون، تظل الأم الحصن الذي يعودون إليه في لحظات الضعف، والظل الذي يحميهم من لهيب الحياة، والنبع الذي يروي أرواحهم كلما اجتاحهم العطش، ولم تكتفِ بدورها الأسري، بل امتدت أياديها إلى بناء المجتمع، فكانت الملكة القوية، والمزارعة الكادحة، والمعلمة التي تنقش في القلوب أبجدية النور، دون أن تتخلى عن رسالتها الأسرية العظيمة.

والأسرة المصرية ليست مجرد كيان اجتماعي، بل هي الحصن المنيع الذي تتشكل فيه شخصية الأبناء، وتُصاغ هويتهم الثقافية، فعلى مر العصور، تميزت الأسرة المصرية بقيمها الأصيلة، حيث كان التراحم والتكافل والاحترام المتبادل من السمات الأساسية التي تُقوي ترابط أفرادها، وتشكل درعًا واقيًا أمام التحديات ومواجهة الأزمات، وتعميق روح الانتماء.

وفي ظل التطورات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة، لا تزال الأسرة المصرية تحافظ على هويتها المتماسكة، وتسعى لتحقيق التوازن بين الحداثة والأصالة، بحيث تستفيد من مظاهر التقدم مع الحفاظ على جوهر العلاقات الأسرية الدافئة، ويأتي عيد الأم كتذكير بهذه القيم، وفرصة لإحياء روح الامتنان في القلوب، لا سيما في ظل إيقاع الحياة المتسارع الذي قد يُبعد الأبناء عن والديهم في زحام المسؤوليات والانشغالات المتزايدة.

إن الاحتفاء بعيد الأم لا ينبغي أن يقتصر على يوم واحد، بل هو التزام دائم ينبغي أن يُترجم إلى أفعال يومية تعكس الاحترام والتقدير، إنه يوم يفيض بالمشاعر الصادقة، حيث تملأ كلمات الحب أجواء البيوت، وتُقدم الهدايا التي تحمل بين طياتها معاني الوفاء، وتُروى الحكايات عن الوالدين اللائي صغن من أوجاعهن جسورًا عبرها أبناؤهن نحو النجاح.

ونؤكد أن الحب ليس وردة تُهدى في يوم واحد، ولا عرفان الجميل هدية تُقدم ثم تُنسى، بل هو سلوك مستمر، ووفاء لا ينقطع. وإن كان لعيد الأم وهج خاص، فإن أجمل ما يُقدَّم فيه هو الشعور الصادق الذي يملأ القلوب امتنانًا، واليقين بأن ما قدمته الأم لا يقدر بثمن، وأن برّها ليس مجرد واجب، بل هو طريق إلى البركة في الدنيا، وإلى النعيم في الآخرة، فليس هناك أجمل من ابتسامة أم تشعر بمدى تقدير أبنائها لها، وليس هناك أعظم من لحظة تُرد فيها ولو جزء بسيط من تضحياتها التي لا تُحصى.

إنه اليوم الذي تتجدد فيه العهود، ويعود الأبناء إلى أحضان والديهم كأنهم أطفال من جديد، في لحظة تخبرهم فيها أعينهم أن الحب الذي منحوه لهم لم ينقص ذرة واحدة، بل ازداد رسوخًا وتوهجًا، فالحب ليس وردة تُهدى في يوم واحد، ولا عرفان الجميل هدية تُقدم ثم تُنسى، بل هو وفاء لا ينقطع.
ومن هذا المنطلق، تبذل الدولة المصرية جهودًا حثيثة لدعم الأمهات وتمكينهن اقتصاديًا واجتماعيًا، عبر العديد من المبادرات التي تهدف إلى تحسين ظروف المرأة العاملة، وتقديم المساندة للأمهات المعيلات، ودعم دور المرأة في التنمية الوطنية، كما تحرص المؤسسات التعليمية والثقافية على تنظيم الفعاليات التي تُبرز قيمة الأم، وتسهم في توعية الأجيال الجديدة بأهمية بر الوالدين، امتثالًا لما جاءت به الأديان السماوية، التي جعلت رضا الأم مفتاحًا للنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة.
وفي ختام هذه السيمفونية العاطفية التي تعزفها القلوب قبل الأقلام، يظل عيد الأم عيدًا للأسرة بأكملها، يتجاوز حدود الاحتفال ليكون وعدًا متجددًا بالعرفان والتقدير وفرصة لإعادة التأكيد على أن الوالدين هما القلب النابض للأسرة، والمصدر الأول للحنان والحكمة، وأنه مهما تطورت الحياة وتغيرت الظروف، سيظل كلا الوالدين نموذجًا يُحتذى به في التضحية والصمود، وستبقى الأسرة المصرية صرحًا شامخًا، وإن كان للأيام مواسمها المتبدلة، فإن حب الوالدين هو الفصل الدائم الذي لا يعرف أفولًا، والمأوى الذي لا يخذل، والنبع الذي لا ينضب.

فيا أيتها الأم يا زهرة العمر وضياء الدرب، يا سيدة الحب الذي لا يذبل، ويا حكاية العطاء التي لا تنتهي يا لحن الأمان وسيدة العطاء، يا نهرًا يفيض دفئًا، وسماءً لا تكفّ عن الاحتواء، كل عام وأنتِ بهجة الحياة ووهجها، وأنتِ الوطن الذي لا تغيب شمسه ولا يُختصر في خارطة، بل يسكن في القلوب، كل عام وأنتِ النور الذي لا يخفت، والحب الذي لا يشيخ، والنبض الذي لا يتوقف، والقصيدة التي يرددها الزمان حبًا وامتنانًا والأمل الذي تتجدد به الحياة عامًا بعد عام.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة