لم تقنع سيدات مصر على الإطلاق بكونهن النصف الثاني المكون للمجتمع، ولم يكن دورهن على الإطلاق منحصرWا داخل المنزل وإن كن في الأغلب هن قائدات الأسر نحو تماسكها، بل كن في أغلب الأحوال رائدات للعمل المجتمعي الفعال.
وفي مارس شهر المرأة علينا أن نتذكر مجموعة من نساء مصر اللائي عملن في هذا الحقل وكان لهن إنجاز كبير وأثر لا يمكن إنكاره، فقد كان نتيجة هذا العمل عدد من المشروعات الصحية الخيرية الكبرى حيث استطاعت كل واحدة منهن أن تكون صاحبة رؤية يجتمع حولها كل أبناء الوطن لتصبح تلك المشروعات بحق نماذج يندر أن تجتمع في مكان واحد.
السيدة الأولى هي علا غبور المولودة عام 1960، صاحبة فكرة مستشفى سرطان الأطفال 57357 التي بدأتها بإنشاء جمعية أصدقاء مرضى معهد الأورام عام 1998، ثم طورت الفكرة لتبدأ حلمها بإنشاء مستشفى خاص لعلاج الأطفال، وقد استلهمت من محاربتها لمرض السرطان عملها المجتمعي العام الذي عملت على تحقيقه واقعا ملموسا بل إنها تعدت مجرد إنشاء المستشفى وعضوية مجلس أمنائها إلى إنشاء جمعية أصدقاء الأطفال مرضى السرطان لتضيف بذلك بعدا إنسانيا ونفسيا جديدا إلى شكل العلاج، وعلى الرغم من وفاتها المبكرة عن اثنين وخمسين عاما في نهاية 2012 فإنها قد ظلت في ذاكرة الوطن والإنسانية واحدة من أهم داعمات العمل الجماعي المجتمعي حيث لقبت بأفضل سيدة عملت بالمنظمات الخيرية الغير راغبة للربح عام 2012. حصلت على جائزة جمعية الصحة العالمية (The Prestigious World Health Award) – 2008م.
أما الثانية فهي هبة السويدي المولودة عام 1973، والتي كانت سيدة أعمال تركت عملها لتؤسس جمعية ستات مصر التي كانت تعمل في مساعدة النساء المعيلات ثم في عام 2013، نجحت في تأسيس جمعية أهل مصر، مؤسسة غير حكومية وغير هادفة للربح، تهتم بمرضى إصابات الحروق. تأمل الجمعية من خلال برامجها المتعددة في إعادة دمج المرضى بعد العلاج من الإصابة والوقوف أمام إقصاء المجتمع لهم.
والسيدة الثالثة هي أنيسة حسونة المولودة عام 1953، التي بدأت عملها ملحقا دبلوماسيا في الخارجية المصرية، وكان لها نشاط كبير في العمل الدبلوماسي غير أنها تركته لتصبح المدير التنفيذي لجمعية مجدي يعقوب ثم تطور عملها العام لتسهم في إنشاء مستشفى الناس لعلاج الأطفال المصابين بأمراض القلب بالمجان، وقد كانت أول امرأة تنتخب أميناً عاماً للمجلس المصري للشئون الخارجية، وقد تم اختيارها من قبل مجلة أرابيان بيزنس في 2014 على قائمتها السنوية لأقوى 100 امرأة عربية على مستوى العالم، وذلك عن مجال المجتمع والثقافة، لتتوفى في عام 2022 تاركة إرثا فعالا من الإنجاز في العمل العام.
وفي هذا المجال كذلك يمكن الإشارة إلى السيدة بهية وهبي المصرية التي أصيبت بالسرطان ولاحظت تكاليف العلاج المرتفعة بالنسبة للطبقات الفقيرة فقررت تحويل منزلها إلى مركز لعلاج سرطان الثدي للنساء بالمجان لتكون تلك بذرة مؤسسة بهية التي اهتمت بالكشف المبكر والوقاية من هذا المرض.
هؤلاء السيدات وغيرهن الكثيرات اللائي قدمن لنا وللعالم نموذجا متكررا للمرأة المصرية وإيجابيتها في التحرك نحو الفعل الحقيقي والقيام ككل ربة منزل بالتدبير والتخطيط والعمل الحقيقي على الأرض، لتكون كل منهن وريثة حقيقية لأول وطن تتولى فيه المرأة الحكم سابقة لكل مجتمعات العالم.
تحية لهن ولغيرهن ممن جعلوا لهذه الحياة معنى حقيقيا.