عصام محمد عبد القادر

كيف نعلم أبناءنا المقدرة على الاستنباط؟

الأربعاء، 26 مارس 2025 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

إعمال الذهن وتحول مسار التفكير من صورته المجردة إلى مناط الحس، والخروج من بؤرة التفكر العام لخصوصيته، بعد المرور بمراحل تتضمن الفحص، والتدقيق، والتمحيص؛ ومن ثم الوصول لنتائج، يستطيع من خلالها أن يضفي ملاحظات، تتسم بالواقعية على القضية، أو الظاهرة، أو المشكلة محل التناول، وهنا تتأتى الإفادة من كتلة التعميم، إلى تخصيص يعرف بالوظيفية، وهذا الأمر نستفيد منه في تعميق فهم المفاهيم، والمبادئ، والنظريات، في مجالات العلم والحياة على السواء، وجملة ذلك يشير إلى مهارة الاستنباط.


فلسفة الاستنباط تعتمد على رغبة وشغف الإنسان، تجاه استخلاص ما يفيده، وفق ممارسات مرنة يؤديها، وفي خضم ذلك يبدأ بالإمعان في الظواهر للوصول إلى ملاحظة، ويعمل على التحقق من القاعدة العامة، بفحص مكوناتها أو أجزائها، ثم يهتم بالانتقال من مجرد النتائج الكامنة في نظرية، أو تعميم، أو قانون علمي؛ كي يتم الخروج من المقدمات المنطقية بنتائج صحيحة تتسم بالوظيفية.


الاستنباط في حد ذاته يعتمد على تحليل المقدمات التي تعرض علينا؛ كي نتمكن من أن نخرج بنتيجة لها أثر في حل قضية، أو إشكالية، نهتم بها، وهنا ينبغي أن نهيئ المناخ الداعم على تنشيط حركة الذهن؛ فالأمر في طليعته يحتاج لتركيز؛ كي يستطرد الفرد خبراته، ويستطيع من خلال المقدمات المنطقية، أن يصل للنتيجة المنشودة، ونؤكد على أن الاستنباط يقوم على منهجية واضحة المعالم، فحواها إسقاط حكم العام على الخاص.


وريثما يصل الإنسان لنتيجة عبر منطق الاستنباط، ينبغي أن نحثه على مطابقتها بقواعد المنطق؛ كي يتعرف مدى ثمرتها من عدمه، وهذا في مجمله يجعله يعيد النظر فيما قدم له؛ إذ يستكشف نقاطًا لم يأخذها في الاعتبار، أو يتعرف على معان لم ينبه لعمق ماهيتها، أو يرصد الفجوة بين منطق المقدمات، وما تؤول إليه النتائج، وعلى أي حال نستطيع أيضًا أن نتعرف على الصعوبات التي قد تواجه من يقوم بمهمة الاستنباط.


الاستنباط من العمليات التي تعمل على تنشيط الأذهان، وتحتاج إلى وجدان صافي، وبيئة تساعد على توليد أفكار، تسهم في إضافة بنى معرفية لقضايا مستجدة؛ ومن ثم فنحن بصدد بناء إنسان يستطيع أن يتخذ من القرارات المسئولة، ما يمكنه من صناعة مستقبله، وأن يتبنى رؤى طموحة تدفعه على العمل المستدام؛ ومن ثم تزداد ثقته بنفسه، ولا يتوقف عند عتبة التفسيرات الجاهزة؛ فلديه جاهزية غير مسبوقة تجاه ممارسة الاستنباط.


ونود الإشارة إلى أن تنمية مهارة الاستنباط يجب أن يتم التدريب عليها عبر مواقف حياتية يومية معاشة؛ كي يسهل اكتساب خطواتها الإجرائية ويتقبل الفرد تمرسها، وهذا بالطبع يحتاج منا لتدريب مقصود؛ لنضمن أن ينغمس الإنسان في ثنايا القضايا التي تتطلب استنباطًا؛ فعندما نعرض قضية فحواها: الذهب يصنع منه الْحُلِّي؛ لكن جميع اللافلزات غير قابلة للطَّرْق والسحب ولا يسهل تشكيلها، ثم نعطي مقترحات، منها أن (الذهب يُعد من الفلزات - جميع اللافلزات غير قابلة للطرق والسحب عدا الذهب - يُعد الذهب من اللافلزات - يمكن تشكيل بعض اللافلزات مثل الذهب).


عندما يطالع الفرد المقترحات سالفة الذكر لا يتقبل بعضها؛ كونها خطأ، بينما يصل لنتيجته، وهي أن الذهب من اللافلزات؛ حيث يوجد في الطبيعة على شكل فلز ذي لون أصفرٍ مائل إلى الحمرة، وكثافته مرتفعة، وهو قابل للسحب وللطرق؛ ومن ثم يسهل أن يصنع منه الْحُلِّي، وهنا نؤكد أن الخروج بنتيجة صحيحة يتطلب أن يبذل حيالها جهدًا حميدًا يبرهن عن مراجعة للخبرات، وإمعان لما يتوافر لدينا من مقدمات ومقترحات؛ فلا يصح أن نسلم بصوابها دون مطالعة وتثبت.


وتناول مثال عملي لا يقلل من قوة الاستنباط في الشق المجرد؛ فالأصل في الاستنباط تدريب العقل على لغة المنطق، وفرز الغث من الثمين؛ فتبدو البنى المعرفية سليمة، لا تتقبل كل ما من شأنه مشوبًا أو مغلوطًا أو لا يتفق مع لغة المنطق القويم، الذي تقر مكوناته الأذهان ويتناغم مع صحيح التجربة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

____

أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة