لا نعرف متى بالضبط حدث الارتباط الشرطى بين شهر رمضان والدراما أو المسلسلات، لكن الواضح أن هذا جرى من عقود وربما من أيام الإذاعة، عندما كان الراديو بطلا، تعرف المستمعون على أسماء وأحداث ألف ليلة وليلة أو الأعمال المأخوذة من روايات أو قصص، تستند إلى أعمال أدبية لكبار الكتاب، ومع الوقت ارتبطت الأعمال الكبيرة فى تاريخ الدراما بشهر رمضان، ومنها أعمال مثل «الشهد والدموع»، و«ليالى الحلمية» و«الراية البيضا» و«أبوالعلا البشرى»، وغيرها من أعمال أسامة أنور عكاشة، ومثلها كانت أعمال مثل «رأفت الهجان»، وأعمال وحيد حامد، ومحفوظ عبدالرحمن، ومحمد صفاء عامرو ومحمد جلال عبدالقوى، وكبار كتاب السيناريو أو ما يسمى بـ«الرواية التليفزيونية»، التى تنبأ بها العظيم نجيب محفوظ فى نهاية السبعينيات، أن الرواية سوف تتخذ من السينما والتليفزيون مكانا متصدرا، وهو نفسه اعترف بأن السينما منحت أعماله انتشارا إضافيا، وأخرجتها إلى ملايين لم يكونوا قادرين على القراءة، لكنها لم تكن نبوءة كاملة، فقد بقيت الرواية والقصة المكتوبة، بينما اتجهت الدراما التليفزيونية إلى مسارات أخرى ليست كلها جيدة.
نقول هذا بمناسبة شكل وموضوعات الدراما خلال السنوات الأخيرة، التى هى بالفعل تتضمن أعمالا كثيرة جيدة، وكثير منها بالرغم من كونه بالفعل دراما أو كوميديا أو اجتماعى، لكنه غالبا يظل حاملا لشكل ومضمون غريب بعض الشىء عن مجتمعنا، ونلمح أحيانا ما يشبه التكرار أو القوالب الجاهزة، أو استعارة أفكار أو أحداث، وهو ما يجعل بعض الأعمال غير قابلة لتكرار المشاهدة، وأيضا عاجزة عن المنافسة مع أعمال كبرى فى زمن المنصات.
وهنا علينا أن نشير إلى أنه بالرغم من وجود كتاب بعضهم واعد، أو شيوع نظام الورش، لكن اختفت تقريباـ باستثناءات ـ الدراما التى تقوم على أعمال أدبية، بالرغم من أن لدينا رصيد من الأعمال الأدبية، ثم إن كثيرا من الأفلام والمسلسلات التى استندت إلى روايات أو قصص عاشت بشكل أطول، وكانت أكثر تماسكا وتعبيرا عن المجتمع المصرى، فقد تم إنتاج عشرات الأفلام من أعمال نجيب محفوظ، وبالطبع إحسان عبدالقدوس، وأيضا المسلسلات التى كانت تعتمد على نص أدبى، مثل «الزينى بركات» وقبله كان مسلسل «زينب والعرش» الذى يعتمد على رواية الكاتب الراحل فتحى غانم، ومثلهما الكثير، ثم جاء عمل اعتمد على الأدب مثل «الوتد» المأخوذ عن رواية المبدع خيرى شلبى، لا يزال يشكل علامة فى تاريخ الدراما التليفزيونية، وهناك أفلام ومسلسلات قامت على روايات لإبراهيم عبدالمجيد أو إبراهيم أصلان أو خيرى شلبى أو يوسف إدريس، بل وحتى أعمال أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ومحفوظ عبدالرحمن وصالح مرسى، كانت تقوم على فكرة شاملة وجذور أدبية، وليست مجرد رص مشاهد، الأعمال تغطى مراحل تاريخية مثلما جرى مع «بوابة الحلوانى» لمحفوظ عبدالرحمن، أو ملاحم اجتماعية مثل «ليالى الحلمية» و«المصراوية».
هناك جيل تسلم الراية وقدم الأدب للسينما والتليفزيون ببراعة واحترافية وإخلاص، ويأتى وحيد حامد فى صدارة هؤلاء للسينما والتليفزيون، وبالطبع أسامة أنور عكاشة ورفاقه، وتمثل أعمالهم تاريخا اجتماعيا مثلما فعلت روايات توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس، وجيل الستينيات والسبعينيات، حيث أسقطوا مقولة «الجمهور عاوز كده».
لدينا مخزون من الأعمال الأدبية والأفكار يمكن أن تمثل قاعدة لتجديد الفكر الدرامى، بعيدا عن التكرار والاستعارة والتقليد.
