مها عبد القادر

غزة تُباد.. ومصر السند الثابت

الجمعة، 11 أبريل 2025 02:11 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تحت دخان القصف وبين الأنقاض، تُباد غزة بصمت عالمي مخزٍ، حيث تُمحى الحياة بكل وحشية، ويُسحق الأمل تحت ركام الدمار، فيتحول الأطفال إلى أرقامٍ باردة في تقارير الأخبار بوسائل الإعلام، ويُهدم الحجر كما يُهدم البشر، بلا رحمة ولا عدالة فلم يعد الحديث عن العدوان في غزة مجرد تحليل سياسي، بل صار وصفًا يوميًا للموت وقصف لا يهدأ، وحصار يُزهق الأرواح ببطء وتجويع ممنهج في مشهد يجعل الإنسانية تتوارى خجلًا، الآباء يُقتلوا أمام أطفاله، والجثث الصغيرة والأشلاء تُنتشل من تحت الأنقاض، بينما العالم يكتفي بالمشاهدة يُلقي البيانات الشجب والاستنكار، ثم يطوي الصفحة وكأن شيئًا لم يكن.


ولكن رغم الألم تُضيء غزة بدماء شهدائها في ذاكرة الأجيال معنى الصمود؛ لتبقى شاهدًا على جريمة العصر التي تُرتكب أمام أعين عالم يرى لكنه يختار أن يصمت ويدعم المعتدي المحتل، ولم تُبقِ آلة الحرب على شيء سوى الدمار والموت لآلاف الأطفال قضوا شهداء، وآلاف آخرون جُرحوا أو فُقدوا أو تيتموا، أو يحاصرهم شبح التهجير القسري من ديارهم وأرضهم من قبل احتلال غاشم، فالحرب هنا لا تميّز بين بريء ومقاتل، بل تُسحق فيها الإنسانية بلا شفقة.


فالكل بقطاع غزة مستهدفٌ في حرب تُدار بدم بارد، وتواطؤ عالمي مُخز، لا فرق بين طفلٍ وشيخ وامرأة، ولا حصانة لمدني أو طبيب أو صحفي فما يحدث في غزة ليس مجرد عدوانٍ عابر، بل عملية إبادةٍ ممنهجة، تطهير جماعي يتمّ على مرأى ومسمع العالم، تحت شعارات زائفة للسلام وتبريرات كاذبة للقتل وازدواجية معايير تفضح زيف ادعاءات حقوق الإنسان، فالحصار الخانق، ومنع الغذاء والدواء، واستهداف كل مقومات الحياة، ليست إلا أدوات لإبادة شعب بأكمله.


وفي ظل المجازر الوحشية التي يتعرض لها قطاع غزة، تقف مصر قلب العروبة النابض، كما عهدها التاريخ سندًا ودرعًا يحمي الأشقاء، فمنذ اللحظة الأولى للعدوان، تحركت مصر بكل ثقلها السياسي والإنساني، لتكون صوت غزة الذي يسعى العالم لإسكاته؛ ولتفتح أبوابها عندما أُغلقت في وجه المحاصرين كل السبل، كان معبر رفح المنفذ الوحيد الذي يربط غزة بالعالم الخارجي، شريان حياة يمتد بين الموت والنجاة، كانت مصر الملجأ تستقبل المصابين وتنقلهم إلى مستشفياتها لتلقي العلاج، ولم تتوقف المساعدات عند حد العلاج، بل كانت القوافل الإغاثية تعبر الحدود رغم المخاطر، محملة بالغذاء والدواء، لتؤكد أن غزة ليست وحدها، وأن مصر تقف إلى جانبها بلا تردد، رغم كل التحديات والصعوبات.


ولقد امتد الدور المصري إلى الساحة السياسية والدبلوماسية، حيث قادت القاهرة جهودًا مكثفة لوقف العدوان، مستثمرة ثقلها الإقليمي والدولي في الضغط لوقف نزيف الدم الفلسطيني لم تكن مصر مجرد وسيط، بل كانت قوةً فاعلةً تدفع نحو تحرك عالمي حقيقي، مطالبةً بمحاسبة الاحتلال على جرائمه أمام المحاكم الدولية، وساعيةً لإصدار قرارات أممية تُلزم بوقف إطلاق النار فالقاهرة التي لطالما حملت راية القضية الفلسطينية، لم تتراجع عن مسؤولياتها، بل واصلت النضال السياسي وما زالت حتي تقام الدولة الفلسطينية وينال الشعب الفلسطيني سيادته وحقوقه.


ويشهد التاريخ أن الدم المصري امتزج بالدم الفلسطيني في معارك الدفاع عن الحق، فالموقف المصري تجاه غزة والقضية الفلسطينية امتداد لعقود من التضامن والنضال بعقيدة راسخةٌ في وجدان الأمة ومسؤوليةٌ تاريخيةٌ لا تقبل المساومة، بينما تصطف بعض القوى الكبرى خلف تبريراتٍ واهية لما يحدث متحدثةً عن حق الدفاع عن النفس متجاهلةً المجازر بحق الأبرياء، وتظل مصر الصوت الأقوى في وجه هذا الصمت والخذلان الدولي الذي تتفاقم معه المعاناة، فغزة بالنسبة لمصر ليست ملفًا سياسيًا بل جزءٌ من الضمير العربي، وركيزة في معركة الكرامة ضد الاحتلال.


ورسالة مصر للعالم واضحة في ظل العدوان الغاشم والإبادة الجماعية كفى صمتًا، كفى تواطؤًا، كفى تجاهلًا، غزة لا تحتاج إلى بيانات جوفاء، بل إلى تحرك دولي فوري يضع حدًا لآلة القتل العمياء التي لا تفرّق بين طفل وشاب وبين بيت ومدرسة، وبين حياةٍ وحلم، ورغم ثقل المهمة لم تتخل مصر عن واجبها، لكنها وحدها لا تستطيع أن توقف المجازر دون تحرك عالمي حقيقي، فلعل الضمير الإنساني يستيقظ قبل فوات الأوان.


وستظل غزة واقفةً كطودٍ شامخ، تكتب بدماء أبنائها أسطورة الصمود ولا يزال الطفل الذي فقد عائلته يرسم علم فلسطين فوق جدران الخراب، ولا تزال الأم التي ودعت أبناءها تحمل في قلبها صلابة الأرض التي أنجبتهم، ولا يزال الشعب المحاصر يحرس الحلم الفلسطيني بدمه، يحفظ الوعد بأن الأرض لن تُنسى وأن الحق لن يُمحى، غزة ليست مجرد مدينةٍ تُباد، بل هي عنوان للكرامة وقضية لا تُمحى، وجرح مفتوح في ضمير العالم، والأكيد أن غزة لا ولن تموت، لأن الله معها والدولة المصرية السند الثابت لها، فإرادة الشعوب أقوى من نيران الطغاة.

_____

أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة - جامعة الأزهر







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة