مبكرا جدا.. الواضح أن هذه الجولة من الحرب تختلف عن عقود كثيرة، ومهما كان التقييم النهائى، فقد كانت النتائج تختلف تماما عن المقدمات، ودخل العالم عاما جديدا يحمل تراكم أزمات وصراعات، فى ظل أزمة نظام عالمى بدأت منذ نهايات الحرب الباردة، الحرب فى غزة تتصاعد وتتجدد على عكس ما كان خلال المرات السابقة، وتخرج قوى إقليمية من الصورة ضمن صفقات أو تشابكات تضع المصالح فوق كل اعتبار.
الضربات الأمريكية على الحوثيين فى اليمن حملت رسائل أمريكية إلى إيران مع مناوشات وتهديدات إسرائيلية وأمريكية، أخرجت جماعة الحوثى إلى العلن ضمن أوراق اللعب الإقليمى والدولى، ما جعل الحرب فى غزة تحمل تحولات أعمق مما كان يبدو فى بدء الحرب، ومن حيث أراد حزب الله أن يساند جبهة غزة، وجد نفسه فى مواجهة هى الأخطر فى تاريخه، تصفية قيادات الصفين الأول والثانى بحزب الله ونوابهم وخلفائهم، وعلى رأسهم الأمين العام السيد حسن نصر الله، وأكثر من 400 قيادة للحزب، واغتيالات لقادة حماس ومنهم إسماعيل هنية داخل طهران، وبدا أن هناك تراجعا فى نفوذ إيرانى تم بناؤه على مدى عقود.
بقيت جماعة الحوثيين طرفا فى المعادلة، حيث أعلنت مساندة غزة بإطلاق صواريخ على تل أبيب، لم تكن مؤثرة بشكل فاعل، بجانب هجمات وقرصنة على السفن فى البحر الأحمر، أثرت على الملاحة بشكل كبير، ولم تؤذ إسرائيل، حيث تم اعتراض أغلب الصواريخ أو فقدت تأثيرها قبل وصولها، لكن سببت أذى للملاحة فى البحر الأحمر، وانعكست فى صورة خسائر ضخمة بلغت حوالى 800 مليون دولار شهريا انخفاضا فى دخل قناة السويس.
ومع الضربات التى تم توجيهها للحوثى فى اليمن والتهديدات الأمريكية، أعلنت إيران سحب دعمها للحوثى، ونقلت صحيفة تليجراف البريطانية عن مسؤول إيرانى رفيع المستوى، أن طهران أمرت قواتها العسكرية فى اليمن بمغادرة البلاد، متخلية عن حلفائها الحوثيين، فى وقت تشهد فيه الحملة الجوية الأمريكية ضد جماعة الحوثى تصعيدًا ملحوظًا، وقال المسؤول الإيرانى: إن هذه الخطوة تهدف إلى تجنب التصعيد المباشر مع الولايات المتحدة، فى حال تعرض جندى إيرانى إلى القتل، وفق الصحيفة.
وفى السابق، أعلنت إيران تخلى جزئى عن حزب الله، واعتبار قضية لبنان أمرا داخليا، فيما بدا تراجع آخر فى النفوذ الإيرانى بعد عقود من التراجع.
وقد امتدت تأثيرات الحرب فى غزة إلى لبنان وسوريا واليمن وإيران وغيرها من الدول، بجانب تأثيراتها المباشرة على دول الجوار والمسؤولية الاستراتيجية مثل مصر والأردن، والحرب التى بدأت بطوفان الأقصى تفاعلت بشكل تجاوز غزة أو الضفة إلى لبنان وسوريا وإلى إيران، وتقاطعات مع أطراف إقليمية بدا أنها تنسف ثوابت وخطوطا حمراء، وتفرض طريقا مختلفا فى التعامل يضع المصالح الفلسطينية فوق الفصائل، ولهذا واجهت مصر حروبا وأكاذيب، وتصدت لمخططات التهجير والتصفية، وقبلها كانت مصر تدفع إلى مصالحة فلسطينية تنهى انقساما، فتح مجالات التدخل الخارجى والإقليمى، وقد تراجعت الاستعراضات والادعاءات التى أبدتها بعض القوى الإقليمية بعد 7 أكتوبر، وبقيت الصورة أكثر خطرا بجانب اتخاذ 7 أكتوبر ذريعة لإعادة مخططات تهجير تصدت لها مصر مبكرا.
الآن مع كل الإجرام الذى يمارسه نتنياهو والاحتلال، وانكشاف مخططات تشويه الدور المصرى، باعتباره الدور الأكثر قوة ووضوحا، هناك مسؤولية تقع على الأطراف المختلفة فلسطينيا، لاستعادة المبادرة نحو وحدة تفرض نفسها، وعودة إلى فلسطين باعتبارها القضية الأهم، بعيدا عن أوهام التعويل على أطراف إقليمية باعت القضية ضمن صفقات وترتيبات ليس منها القضية الفلسطينية.

مقال أكرم القصاص