أحمد عبدالمعطى حجازى

هذا الغضب على السعودية.. كيف نفهمه؟

الجمعة، 28 نوفمبر 2008 08:21 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تجاهل كل القوانين وتجاوز كل الحدود، وبدا كأنه تعبير عن غل شخصى، وكأن المقصود به شىء أبعد من تأديب الطبيبين المتهمين، وإلا فأى جسم بشرى، مهما كانت صلابته يتحمل ألفا وخمسمائة جلدة، سواء نزلت به دفعة واحدة، أو وزعت على دفعات؟!

هذه الموجة العارمة من الغضب الذى اجتاح المصريين حين علموا أن إحدى المحاكم السعودية أصدرت حكما بسجن طبيبين مصريين خمسة عشر عاما, وجلد كل منهما ألفا وخمسمائة جلدة - هذه الموجة العارمة من الغضب هل نستطيع أن نبررها؟ وهل نستطيع أن نفهم معناها؟

وكان الطبيبان المصريان قد اتهما بالتسبب فى إدمان سيدة سعودية للأدوية المخدرة, التى كانا يحقنانها بها دون أن تكون بحاجة إليها، وهى تهمة لو صحت لكانت جريمة لا تغتفر، لكنها لكى تصح تحتاج لدوافع يصعب أن تتوفر لطبيبين تحملا آلام الغربة ومتاعبها, ليضمنا مستقبلا ماديا لم يكن مضمونا فى وطنهما.

فما هو الثمن الذى يمكن أن يكونا قد حصلا عليه ليرتكبا هذه الجريمة؟ وإذا كان هناك سبب يغرى بارتكابها, فالذى يمنع من ارتكابها ألف سبب، يكفى أن تكون هذه السيدة السعودية زوجة لأمير سعودى, كما ذكرت الصحف ليكون انتقامه من الجناة رهيبا، والقصة إذن لا تخلو من جوانب غامضة، يجب أن تكشف، وهى تستدعى أسئلة لابد أن تطرح وأن تجد من يجيب عليها.

لكن رد فعل المصريين لم يكن مجرد تساؤل أو تعاطف مع المتهمين المصريين، أو استنكار للحكم الذى صدر بحقهما، إنما كان كما قلت وكما رأينا جميعا، موجة عارمة من الغضب الذى نحتاج لفهم أسبابه واستجلاء معانيه.

هل رأى المصريون أن هذا الحكم ظالم، لأنه لم يلتزم قانونا معروفا من القوانين الوضعية، أو حدا من الحدود التى يدعو لها المطالبون بتطبيق الشريعة، بل تجاهل كل القوانين وتجاوز كل الحدود، وبدا كأنه تعبير عن غل شخصى، وكأن المقصود به شىء أبعد من تأديب الطبيبين المتهمين، وإلا فأى جسم بشرى، مهما كانت صلابته يتحمل ألفا وخمسمائة جلدة، سواء نزلت به دفعة واحدة، أو وزعت على دفعات؟!

وإذا كان المقصود بالعقاب البدنى إهانة من حكم به عليه وإشعاره بالألم فلا يعود لارتكاب ما استحق عليه العقوبة حتى لا يتعرض لها من جديد، فالحكم الصادر بحق الطبيبين المصريين لا يسمح بذلك، لأنه لا يكتفى بإيلامهما، وإنما يتجاوز الإيلام إلى القتل، فإذا كان قتلهما هو المقصود فلماذا لم يحكم عليهما القضاة السعوديون بالموت؟ أم أن هؤلاء القضاة قصدوا أن يكون الموت على هذا النحو البطئ إمعانا فى تعذيب المحكوم عليهما والتمثيل بهما على مشهد من العالم، الذى لابد أن يتابع هذه الحفلة الوحشية التى ينتظر أن تستمر سنوات، كما يتابعها ذووهما، أى المصريين الذين أحسوا كأن هذه الجلدات الخمسمائة بعد الألف لا تنهال على واحد أو اثنين منهم فحسب، لأن الواحد لا يعاقب بألف وخمسمائة جلدة، وإنما هى عقوبة جماعية مقصود بها المصريون جميعا، فإذا لم تنزل العقوبة بهم فعليا فهى تنزل بهم رمزيا، لأن المصريين فى هذه الحفلة الوحشية لن يتقمصوا شخصية الجلادين، وإنما سيتقمصون شخصية الضحايا الذين تنهال على ظهورهم السياط.

والمصريون فى هذا الإحساس لا يتوهمون، بل يحسون ما يقع لهم بالفعل، إنهم لا يستطيعون أن يعملوا فى هذه البلاد التى طالما ساعدوها بلا أجر وأعانوها بلا مقابل،. إلا إذا كفلهم كفيل من أهلها يوقع لهم الورقة التى تشهد بكفالته لهم مقابل الخدمة التى اتفق معهم على أن يؤدوها له، ولكى يمضن بقاءهم تحت سيطرته، يفرض على من يكفله أن يسلمه جواز سفره، ويوقع له على صك بمبلغ ضخم من المال يستطيع أن يقدمه للسلطات فى أى وقت يشاء منهما هذا المصرى «الآبق» بالسرقة والامتناع عن السداد، ونحن نعرف ما يتعرض له المصريون الآن فى بلاد عربية مختلفة، يعاملون فيها معاملة لا يمكن أن تكون معاملة الشقيق للشقيق، ولا يمكن أن تكون معاملة الآدمى للآدمى.

ولاشك أن بعض المصريين العاملين فى البلاد العربية والأجنبية، يسيئون التصرف، ومنهم من يخرج على القانون، لكن المصريين ليسوا أكثر من غيرهم خروجا عليه، وليسوا دائماً مختارين، بل هم فى معظم الأحوال مثلهم مثل غيرهم من البشر مرغمون.

هم مرغمون على الخروج من بلادهم، ومرغمون على العمل فى البلاد الأخرى التى يتلقاهم فيها من يستغل ظروفهم القاسية ويفرض عليهم ما لا يطيقون، ويدفعهم أحيانا للرد على العنف الذى يلقونه بعنف مثله.

غضب المصريين إذن ليس ردا على ما تعرض له الطبيبان المصريان فحسب، وإنما هو رد على ظروف وشروط صعبة ومهينة تحيط بهم فى داخل بلادهم وخارجها.

ولا شك أن الحكم الذى صدر فى قضية الطبيبين حكم قاس عنيف لا يبرره حتى ثبوت التهمة التى قدما بسببها للمحاكمة فالعقوبة البدنية لم تعد مقبولة ولم تعد مفهومة، بل أصبحت مرفوضة مستنكرة، ومع ذلك فالقسوة ليست وحدها التى أغضبت المصريين، وإنما هى الإهانة التى استشعروها فى هذا الحكم الجائر الذى يعتقد الذين أصدروه أنهم حكموا بما أنزل الله، فلا يحق لأحد أن يرد أو يعقب وهذه الروح التى أملت هذا الحكم على من أصدروه هى التى أملت على أمثالهم أن يتهموا من شاءوا من المثقفين المصريين وغير المصريين بالزندقة، ويحرضوا عليهم المتطرفين والقتلة المأجورين،هل تكون هذه الحادثة فرصة يراجع فيها المطالبون بتطبيق الحدود موقفهم؟ أم يكون جلد المصريين فى السعودية مقدمة لجلدهم فى مصر؟!.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة