كان مهرجان دبى السينمائى يضرب به المثل فى الرفاهية المتاحة لضيوفه من النجوم، والمتابعين له، ولكن يبدو أن الأزمة المالية العالمية التى تتفاعل حاليا قد أثرت سلباً على المهرجان.
وإذا كان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يحاول جديا القيام بمشروعات تعيد الثقل المالى إلى دبى، منها افتتاح أكبر كازينو فى منطقة الشرق الأوسط، وقيامه بشراء السفينة إليزابيث الملكية والتى سيحولها إلى واحد من أشهر المطاعم الثابتة فى دبى.
ولكن يبدو أن المهرجان لم يعرف بعد كيف سيتجاوز تلك الأزمة المالية، وهذا ما أكده الكثيرون من المتابعين للمهرجان الذين كانوا يجدون صعوبة شديدة فى عمليات التنقلات.
حالة من الزحام صاحبت المهرجان منذ يومه الأول حيث اصطف الصحفيون والنقاد والمتابعون فى طوابير، لاستخراج البطاقات الخاصة بهم، ثم التوجه إلى طوابير أخرى لحجز تذاكر الأفلام، وهو ما برره مدير المهرجان مسعود أمر الله، بأن هذا الزحام يعد نجاحا للمهرجان إذ يزداد ضيوفه عاما بعد عام، ولكن أرجع البعض ذلك إلى تغيير الشركة المسئولة عن التنظيم هذا العام.
هذا ما انعكس سلباً على الكثير من الصحفيين الذين لم يستطيعوا حضور الأفلام منذ اليوم الأول، لذلك رأى البعض ضرورة تخصيص مكان لعروض الصحفيين فقط، لأن ذلك سيوفر على النقاد والصحفيين الكثير من الطوابير بدلا من إضاعة الوقت فى الوقوف بها.
كما كانت هناك مشكلة تمثلت فى تأخر وصول أتوبيسات نقل الإعلاميين، مما أدى إلى تأخرهم فى الوصول إلى أماكن عروض الأفلام فى «سيتى ستارز» بقصر الإمارات، زاد من ذلك ازدحام شوارع دبى، علماً بأنه فى الدورات الماضية كانت تتوفر للإعلاميين سيارات فارهة.
ورغم الهنات التنظيمية التى صاحبت الدورة الخامسة للمهرجان إلا أن الأفلام التى استطاع المهرجان عرضها كانت شديدة التميز ومنها أفلام عرض أول بالشرق الأوسط، وتوزعت الأفلام على 18 تظاهرة، عرض خلالها 181 فيلما، من 66 دولة، ووضح منذ بداية الفعاليات أن السياسة تؤثر على عروض المهرجان منذ فيلم الافتتاح «دبليو» وأفلام مثل «جيفارا» و«تشى جيفارا»، كما كان هناك تنافس حاد بين السينما العربية، التى شاركت بإنتاجها فى مسابقة المهر العربية، وحققت السينما المغربية أعلى تمثيل فى جميع التظاهرات حيث عرض 11 فيلما مغربيا، وجاءت بعدها الجزائر.
وأيضاً لم تخرج تيمة الأفلام العربية عن قصص التاريخ والأزمات السياسية وحلم الهجرة إلى الخارج، وهى التيمات التى باتت مكررة فى أغلب الإنتاجيات العربية، وهو ما وضح جليا فى السينما المغربية التى شاركت بأفلام منها «فرانسيس» التجربة الأولى للمخرجة سعاد البوحاتى، والذى عالج أزمة الهوية عند فتاة فرنسية الجنسية ومغربية الأصل ولدت فى فرنسا وأجبرت الظروف المادية أسرتها على العودة إلى المغرب، وظلت الفتاة تحلم باليوم الذى تعود فيه إلى فرنسا، فى ظل عدم تأقلمها مع الحياة فى المغرب.
ورغم بساطة الفيلم على مستوى السرد والصورة السينمائية، فإنه يعد من الأفلام المغربية القليلة التى انتصرت للهوية المغربية، وأيضا فيلم «هل تذكر عادل؟» إذ انتقل عادل بطل الفيلم المولود فى الدار البيضاء إلى مدينة بولونيا الإيطالية حيث يعيش شقيقه، وهناك تتداخل الأحداث لمناقشة العلاقة بالآخر، وأزمة الهوية الإسلامية من خلال طبيب إيطالى يقرر اعتناق الإسلام.
أما فيلم «كزانكرا» الذى حصل بطلاه أنس البار وعمر لطفى على جائزة أفضل ممثل مناصفة وأيضاً جائزة أفضل تصوير، قدم من خلاله المخرج نور الدين لخمارى قصة آلاف من المشردين الذين يعيشون فى شوارع الدار البيضاء ويرغبون فى السفر والبعد عن هذه المدينة، وقام بالتمثيل فى الفيلم مشردون حقيقيون استعان بهم المخرج بعد أن دربهم على التعامل مع الكاميرا، وجاء الفيلم شديد القسوة فى طرحه للواقع الحياتى لهؤلاء المشردين.
وإذا كانت السينما المغربية قد ناقشت قضية الهوية والهجرة فإن السينما الجزائرية طرحت العديد من القضايا السياسية ومنها، الفيلم الجزائرى «مصطفى بن بوالعيد» الذى تدور أحداثه حول أحد المناضلين الجزائريين أثناء الاحتلال الفرنسى، بينما خرج فيلم «مسخرة» الذى نال جائزة أفضل فيلم عربى وهى نفس الجائزة التى حصل عليها بمهرجان القاهرة السينمائى، عن هذا السياق حيث ناقش صناعة البطل الشعبى.
وفى الوقت الذى عالجت فيه السينما اللبنانية قضية الحرب الأهلية، وحرب يوليو 2006، نجد أن السينما العراقية ركزت على حرب الخليج، حيث شاهد المهرجان عرض فيلم «فجر العالم» للمخرج العراقى عباس فاضل، الذى ابتعد فيه عن كل ما هو عراقى رغم مناقشته قضية الظلم الذى تعرض له بعض مواطنى منطقة الأهواز أثناء حكم صدام حسين والحرب العراقية على الكويت،حيث قام المخرج بتصوير الفيلم كاملا فى مصر، فى أماكن تحاكى نفس الطبيعة الجغرافية للأهواز، واستعان بممثلين من المغرب ولبنان والأردن.
وحدها الأفلام المصرية التى شاركت فى المهرجان عالجت قضايا إنسانية من واقع المجتمع المصرى، بينما جاءت السياسة فى الخلفية الدرامية للأحداث، ومنها «جنينة الأسماك» ليسرى نصر الله، الذى شارك فى مسابقة المهر، و«عين شمس» للمخرج إبراهيم البطوط الذى عرض فى مسابقة ليالى عربية.
أهمية الأفلام المعروضة نجحت فى التغطية على الهنات التى صاحبت اللوائح التنظيمية، والتى بالتأكيد سيتداركها القائمون على المهرجان فى الدورات المقبلة، حسبما أكد مسعود أمر الله مدير المهرجان، موضحا أن المهرجان أصبح حدثا ثقافيا مهما فى منطقة الخليج العربى.