المجتمع الأمريكى، مغرم بالتقاليع الجديدة، حتى فى السياسة، لذلك رحب بأن يخوض انتخابات الرئاسة القادمة أول أسود هو السيناتور باراك أوباما. وأنا هنا لا أكتب بغرض تحليل سير العملية الانتخابية أو استعراض فرص أوباما أمام منافسه جون ماكين مرشح الحزب الجمهورى، ولكن لكى أعترف بخطأ وقعت فيه، بسبب انحيازى النفسى تجاه باراك أوباما الذى يخوض غمار انتخابات شرسة، من ولاية إلى ولاية، ضد السيناتور هيلارى كلينتون من أجل الفوز بشرف ترشيح الحزب الديموقراطى، كمرحلة أولى تمهيدا للانتخابات الكبيرة نهاية العام.
ومبعث تحيزى هذا أقمته على أسباب ليست عملية أو عقلانية، فلست مواطناً أمريكياً، كل ما فى الأمر أننى مواطن عربى يهمه أن يعرف من سيجلس على كرسى الرئاسة فى البيت الأبيض الأمريكى. وتعاطفى مع أوباما ضد البيضاء "البضه" ذات العيون الملونة، هيلارى كلينتون، سببه الأول بصراحه أنه رجل ولا زالت ثقافتى الشرقية الذكورية تأبى على أن يكون المتحكم فى أمر الكرة الأرضية امرأة، على اعتبار أن من يتحكم فى البيت الأبيض يتحكم فى مصير العالم ويقود أقوى دولة فى عالم اليوم، وثانياً: لأن الرجل من أبناء جلدتنا، "مننا وعلينا" أسود البشرة، مثل غالبية سكان قارتنا السمراء، لذلك سيكون انتصاره على هيلارى كلينتون هو انتصار لكل المستضعفين فى الأرض الذين دائماً ما تكون بشرتهم سوداء، لأنه منهم كانت طبقة العبيد، بمعنى آخر سيكون انتصار باراك أوباما ليكون أول رئيس أسود من أصول أفريقية يصل إلى سدة الرئاسة فى البيت الأبيض الأمريكى، هو انتصار لـ "كونتا كنتى أشهر العبيد فى رواية "جذور" الشهيرة وانتصار المناضل الأفريقى الجنوب أفريقى نيلسون ماديلا. أو هكذا كنت أتصور.
والذى زاد من وقوعى أنا وغيرى فى هذا الانحياز الخاطئ، هو أن الرجل عندما قرر أن يبدأ تحويل حلمه الشخصى إلى حقيقة، ذهب إلى القرية التى نشأ فيها والده فى منطقة مومباسا الساحلية فى كينيا، وهناك التقى جدته لوالده، وهى بالمناسبة لا زالت تفلح أرضها وتشرف على ماشيتها، وهناك عزف على وتر النشأة العصامية التى أهلت والده راعى الغنم أن يحصل على منحة دراسية فى الولايات المتحدة الأمريكية، ثم التعرف على أمه البيضاء، وهناك أيضاً حرص على التقاط العديد من الصور التى استدر بها عطف وأصوات الناخبين الأمريكيين من أصول أمريكية.
وفى إطار تصوراتى الخاطئة التى وقعت فيها أن وغيرى، قلت إن الرجل، ما دام دمه مثل دمنا ولونه أقرب إلينا، ووالده اسمه حسين بل وكان مسلماً، فقد يرق قلبه لنا، ويحن للدم الذى يجرى فى عروقه، ويكون هذا مبرراً لأن يكون أكثر تفهماً لقضايا الشرق الأوسط ولمعادلة الصراع الذى لا ينتهى فى منطقة الشرق الأوسط، أو بأضعف الإيمان يكون أكثر تفهماً وأكثر حيادية عن سابقه الذى سيترك منصبه مصحوبا بلعنات كل العرب والمستضعفين الذين لم يشهدوا أسوأ من مرحلته.
ولكن أوباما قرر أن يتبرأ مبكراً من كل ما قد يضر بحملته الانتخابية، تبرأ من العرب، وأعلن انحيازه التام والمطلق لإسرائيل، وقال إنه فى حال فوزه فى الانتخابات فإنه سيبذل كل ما لديه من جهد لمساعدة إسرائيل على "الدفاع عن نفسها ضد أى خطر إقليمى قد تتعرض له". وخاطب الحاضرين فى كنيس يهودى بمدينة فيلاديلفيا قائلاً: "إذا أصبحت رئيساً للبلاد، سأبذل قصارى جهدى لمساعدة إسرائيل فى الدفاع عن نفسها ضد أى هجوم إن كان مصدره قريباً كغزة أو أبعد كطهران".
وتبرأ أوباما من ديانته الإسلامية التى ورثها مع سمرته من والده، ونفى أن يكون فى يوم من الأيام مسلماً، ليس هذا فحسب بل إن الرجل الذى يدين بالمسيحية، حسب عقيدة أمه، وزوج أمه يجد نفسه أكثر ميلاً للديانة اليهودية.. ولم يكتف باراك أوباما بوصلة الغزل لليهود عند هذا الحد بل إنه اكتشف، لا فض فوه، أن اسمه يعنى بالعبرية (باروخ) أى (مبارك) بالكينية، مضيفاً أنه شعر باستمرار بالقرب من الشعب اليهودى، وعندما ضيق معارضوه الخناق عليه واتهموه بأنه مسلم رد أوباما قائلاً: "لست مسلماً ولم أكن كذلك يوماً".
لذلك قررت أن أحسم الأمر مع نفسى، فى قضية صعود الفتى الأسمر باراك أوباما إلى سدة الرئاسة، كما تشير أغلب الترشيحات، فلا أنحاز معه أو ضده، فالمبررات التى كنت أسوقها لنفسى لكى أتمنى فوز أوباما، هى نفسها الأسباب التى قد تجعله أسوأ من سابقه، جورج بوش الابن، حيث سيلجأ، حسب توقعى، لمزيد من القسوة على العرب وعلى الفلسطينيين، خطباً لود اللوبى اليهودى، وسوف يعلن تبرؤه العملى من المسلمين الذين يحاولون وصمه بأنه كان منهم، بأن يلجأ إلى التعامل العنيف مع الملف الإيرانى، ومع ملف الجماعات الأصولية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة