محمد الجالى

غزوة "أبو فانا"!

الإثنين، 04 أغسطس 2008 01:29 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ردا على رسالة الصديق أيمن شويقى التى نشرتها فى مقالى السابق "رسالة من البدو للأقباط"، أقول: إن المصريين- مسيحيين ومسلمين - يجب أن يحاربوا الفتن (ما ظهر منها وما بطن) ويجب أن يقفوا صفا واحدا فى مواجهة كل من يحاول اللعب والعبث بخريطة مصر. التعليقات التى وصلتنى عبر موقع اليوم السابع، اتفق أغلبها على أن حالة "الانسجام والتعايش" الموجودة بين المصريين سوف تستمر، وأن مصر ستبقى آمنة، رغم المحاولات الخارجية للاستفادة من بعض الأحداث، لكن ما وجدته مدللا أكثر على هذا التعايش، تعليقان، أحدهما للقارئ "يعقوب الملاح"، والآخر لزميلى "جمال جرجس". الملاح، يرى أن الأقباط يجدون من البدو فى مطروح- كمثال - أفضل معاملة وهناك كثير منهم اقترن نسبه بالقبائل البدوية (هذه حقيقة، فمن المعروف عن هذه القبائل أن لديها موروثا يسمح للأفراد والأسر من خارجها الانتساب إليها، ولم يقتصر الأمر على المسلمين فحسب، بل وصل إلى حد أن المسيحى ينتسب إلى إحدى هذه القبائل محتفظا بعقيدته وأفكاره وطقوسه).

أما جمال جرجس فيقول: "إن علاقة الرهبان بالبدو علاقة تملؤها المحبة، فهما يعيشان فى الصحراء". ويدلل على ذلك قائلا: "إذا ذهبت لوادى النطرون، ستفاجأ بالارتباط القوى بين الرهبان والبدو، حتى أن البدو يُعالجون فى الأديرة ويتبادلون مع الرهبان منافع الحياة". أثق بأن "جرجس والملاح" لم يكتبا مجاملة، بل هو الواقع، لكننا لا نجيد سوى النظر إلى النصف الفارغ من الكوب.

الخطورة تكمن فى السيناريوهات المعدة سلفًا لتشويه الصورة وطمس الحقائق. أقباط المهجر يشنون حملة ضارية على المسلمين وعلى نظام الدولة المصرية، ونجحوا فى تعبئة الرأى العام العالمى وتوظيف الإعلام لصالح مآربهم الخاصة، ونظام الدولة عندنا فى مأزق، فبينما يتلذذ أقباط المهجر بالاحتقانات والصدامات، ويتأهبون للوصول إلى أغراضهم ومطامعهم الخاصة، فإن النظام لم يعد قادرا على مواجهة الأزمات من حوله ولم يفكر يوما فى دراسة أو بحث الأسباب الحقيقية لتحول الوطن إلى ساحة تقاتل بين بعض الأطراف، إنه نظام يستمتع بمشاهدة طوابير الخبز، وغلاء الأسعار، وتلوث المياه والهواء، وانتحار الفقراء والطلاب، وتزوير الانتخابات، وسيطرة حزبه ورجال ماله وأعماله!.

أقباط المهجر تعاملوا مع أزمة دير أبو فانا على أنها "غزوة"! حسبما كتب أقطابهم فى الصحف الورقية والإلكترونية، وحسبما ذكرت بعض وسائل الإعلام الأخرى معتمدة على مظاهراتهم التى انطلقت من عواصم أوروبا وأمريكا، فهم يقولون: "إن ما حدث بين عرب "قصر هور" ورهبان الدير مخطط مدروس وممول يهدف إلى تفريغ مصر من الأقباط!". إنه ادعاء يدعو إلى السُخرية والسَخط، أن يُصوَر "البدو" فى محافظات الصعيد على أنهم "قوة" يمكن أن تعتمد على عددها، فتقطع الطرق، وتهلك الحرث والنسل، وتعتدى على الرهبان، فتحتل أديرتهم وديارهم وتستولى على عتادهم، وهنا أسأل: متى ظهرت قوة "البدو" خارج المحافظات التى تعتمد فى بنيتها التكوينية عليهم (سيناء ومطروح)؟
أرى أنها ادعاءات واهية لحبك دراما مثيرة ومشوقة يسهل تصديقها وجنى ثمارها بمجرد عرضها.

ثم أطرح سؤالا آخر: هل ما حدث بين العربان والرهبان فى "أبو فانا" معارك مسلحة؟
نعم هناك قتيل من الجانب المسلم ومصابون من الجانبين، ولكن أيًا كانت الخسائر والأضرار الواقعة على الطرفين، فإنها لا تتعدى نزاعا بينهما على أحقية كل منهما فى أراضٍ مملوكة للدولة (لاحظ أن قضايا الثأر فى صعيد مصر بين المسلمين تنشأ على خلافات كهذه).

منطقة أبو فانا منطقة أثرية، وبحسب معلوماتى، فإن هناك لوادر وجرارات تدخلها لتنقب عن الآثار الموجودة فى باطنها تحت غطاء الاستصلاح والزراعة. إذن، هى نزاعات مصالح ومنافع خاصة، وليست عرقية أو طائفية، وإلا.. فما الذى يدفع محافظ المنيا اللواء أحمد ضياء الدين، إلى الاجتماع بعد الحادثة مع رهبان من مطرانية ملوى، التابع لها دير أبو فانا، وممثلين من جهات حكومية مختلفة (الأمن، والهيئة العامة للمساحة، والشهر العقارى، وهيئة أملاك الدولة، والهيئة العامة للإصلاح الزراعى والآثار)؟ حيث انتهى الاجتماع إلى عدة قرارات، منها: معاينة الحرم الأثرى للدير، وإقامة السور الصادر بشأنه قرار سابق، واستمرار الطريق الموصل للدير من خلال حرم الدير، ووقف بناء القلايات التى يتعبد فيها الرهبان، لأنها على بعد أربعة كيلو مترات من الدير، وهو ما يعطى إيحاءً بأن هذه المساحة تابعة للدير.

من حق الرهبان والقساوسة التعبد فى أديرتهم وصوامعهم المقامة بتراخيص رسمية، ومن حق العُربان تملك أراضٍ بموجب عقود رسمية وموثقة، ومن حق الدولة الدفاع عن أرضها وآثارها وثرواتها، ومن حق الشعب أن ينعم – على الأقل- بحياة آدمية، وأن يستفيد من ثروات وطنه وخيراته (المنهوبة على مر التاريخ)، حتى لا يفكر أبناؤه فى الانتحار على مراكب بحرية، بحثا عن حياة قاسية نوعا، لكن ليس من حق أقباط المهجر الصيد فى الماء العكر!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة