محمد الغباشى يكتب:حملة جديدة على النقاب

السبت، 17 أكتوبر 2009 01:35 م
محمد الغباشى يكتب:حملة جديدة على النقاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يتردد شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوى على جلالة قدره، وهيبة لقبه، وهول منظر المحيطين به من مسئولين وحراس أن يستقوى على طفلة بريئة لا حول لها ولا قوة، ليثبت أنه لا يزال به الرمق، وأن لديه القدرة- لم يزل- على الجدال والأخذ والرد على الثوابت التى قررها الدين الحنيف والحريات التى أقرتها الدساتير والقوانين الوضعية.

لقد أعطى فضيلته إشارة البدء لحملة جديدة على النقاب الذى تستخدمه الدولة حينًا بعد حين لستر سوءاتها- وما أكثرها- حينما تعجز عن حلها، فالقضية ليست شرعية بقدر ما هى قضية مُسيَّسة فى الأساس، فالإخفاقات المتكررة التى حازتها الحكومة الحالية بجدارة فى غير ما قضية تحتاج بين الحين والآخر للتشويش والإرباك بقضايا فرعية ينشغل بها المواطن المصرى من جانب، والنواب فى البرلمان من جانب ثانٍ، والجماعات الحقوقية من جانب ثالث وهكذا.. على ما تعيشه الأمة المصرية من مآسٍ وأحزان.

فمنذ قضية العبّارة التى قتل فيها آلاف المواطنين ومرورًا بالمصريين الذين يموتون على سواحل البحر المتوسط فى "هجرات غير شرعية- هكذا أسموها- هربًا من الجوع والفقر الذى صار من مميزات الدولة فى الوقت الحاضر، إلى الرسوب الفاروقى فى انتخابات اليونسكو، والذى ألقيت فيه باللائمة على مؤامرة من "إسرائيل" والدول الغربية، إلى محاولة الاقتحام الأخيرة للمسجد الأقصى من قبل المتطرفين اليهود والوقوف إزاء هذا الحدث موقف المتفرج، كان لابد من قضية تلفت الأنظار إليها؛ هروبًا من مواجهة الحكومة بشىء من أخطائها.

بيد أن الحدث كان سطحيًّا وغير محبوك بشكل أثار حفيظة الجميع؛ فعندما أفحمت الطفلة شيخ الأزهر وأجابت على تساؤله عن سر لبسها النقاب فى الفصل الدراسى أجابت بأنها تخلعه فى قاعة الدرس، ولكنها لبسته ظنًّا منها أن رجالاً يدخلون عليها يجب أن تتستر منهم، ولكن يبدو أنها أخطأت فى تصورها، فالرجل «أفحمها» هو الآخر عندما ذكّرها بسر أكبر لا تعلمه، وأن فى الأمر من الخفاء ما لم تطلع عليه هى برأسها الصغير وعقلها غير الناضج بالشكل الكافى لتدخل فى مباراة كلامية مع شيخ الأزهر؛ حيث إنه يعلم فى الدين أكثر منها و"من اللى خلفوها".. فإما أن النقاب غير واجب عليها لصغر سنها- رغم أن شهود العيان أكدوا أن الفتاة فى سن البلوغ- أو أنه ليس من الدين أصلاً، وإما أنه لا يوجد فى هذه القاعة- فى الوقت الذى كان يقف فيه إزاءها شيخ الأزهر وحاشيته- أحد من الرجال الواجب عليها التستر منهم!!

لقد علمنا شيخ الأزهر من هذا الموقف درسًا بليغًا فى كيفية الفوز بلعبة الكراسى الموسيقية، بل كراسى المسئولية، لقد لعبت الدولة اللعبة وكان عليه أن يؤدى دوره فيها بمهارة، بيد أنه- كما حدث فى مرات كثيرة قبل ذلك- كان غير مقنع بدرجة كافية عندما أمرها بخلع النقاب بزعم أنه عادة وليس من الدين، ذلك أنه جلس إلى مذيعة برنامج العاشرة مساءً لأكثر من نصف ساعة- وقد يكون اللقاء استغرق أكثر من ذلك- ولم يتلفظ لها بلفظ ينهاها أو يأمرها فيه بمجرد تغطية رأسها فقط حفظًا لماء وجهه أمام الناس.

هذه الازدواجية المقيتة التى تعامل بها شيخ الأزهر مع الموقف أصابت موقفه بالضعف والهوان الشديد؛ وألبسته لباس ذل وخيبة تضاف إلى سجل الشيخ الحافل بالمآسى والمخازى. فإن كان تعامل مع مذيعة البرنامج بنوع من الحرية العرجاء التى لا يستطيع المشاهد استيعابها من شيخ يفترض فيه الجلالة التى يستمدها من منصبه موقِّعًا عن الله تعالى؛ فلماذا لم يتعامل مع الفتاة- وهى طفلة- بالمنطق ذاته ويتركها وحريتها، حتى وإن لبست نقابها فى موضع قضاء الحاجة؛ فهى حرة!!

كل ذلك يشير ولو من بعيد إلى سوء طوية ما فعل الرجل، وأنه يتحين الفرصة لأداء ما كُلّف بأدائه ليسير الأمر كما قُضى له بليل؛ ففى الوقت الذى يخلع شيخ الأزهر نقاب الطفلة، تقوم إدارة الجامعات والسكن الجامعى بالقاهرة بمنع تسكين الطالبات المنتقبات فى المدن الجامعية؛ على الرغم من حصولهن على تقديرات عالية فى السنين السابقة.. وفى الوقت ذاته يمنعن من الدخول فى بعض الجامعات المصرية، بحجة تستر بعض الرجال بالنقاب والدخول متخفين لينشروا الفساد، وكانت تستطيع الدولة- إن كانت تحافظ على حريات مواطنيها- أن تقيض لكل بوابة امرأة من الشرطة لتتأكد من هوية المنتقبات، ولكن الأمر مدبر ومخطط له بدقة. فهل بعد كل ذلك ينعق ناعق بأن هذه الأحداث وقعت هكذا جزافًا دون تخطيط ورسم دقيق؟!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة