قبل سنوات قريبة كان الحديث عن الكوتة مرفوضاً، ويعتبر نوعاً من العدوان على الدستور، لكن إعلان الحزب الوطنى عن تخصيص مقاعد محددة للمرأة فى البرلمان، أعاد فتح الحديث عن ضرورة تخصيص كوتة للأقباط. وهو أمر يرفضه البعض شكلا، بينما يطالبون به فى السر، ويرفضه البعض عن قناعة أنه ليس الحل. ووسط الزحام والاحتقان يصعب التمييز بين الأبيض والأسود والكوتة، لكن السؤال الأكثر منطقية، هل المصريون ممثلون فى البرلمان حسب قدرتهم، وهل هذا التمثيل يعبر عن الشعب المصرى بطوائفه، وعناصره وأغنيائه وفقرائه وطبقته الوسطى، الإجابة على هذه التساؤلات تحدد ما إذا كان فريق واحد هو الذى يحتاج الكوتة.
سؤال آخر وأهم، أن أشهر كوتة فى تاريخ مصر هى نسبة الخمسين فى المائة عمال وفلاحين، هل يمكن القول أن العمال والفلاحين ممثلون فى مصر؟ سؤال ثالث وليس أخير: من يمثل سكان العشوائيات فى مجلس الشعب، وهم يقاربون الخمسة ملايين ويتضاعفون فى بعض الإحصائيات، ومن يمثل العاطلين والمرضى، لا تقل لى إن البرلمان بتركيبته "الحزبوطنية" تمثل هؤلاء، ربما كانت هذه الأغلبية تمثل عليه.
لقد تم التلاعب فى نسبة العمال والفلاحين، ونرى وزراء وأساتذة يترشحون عمالاً وفلاحين، لأن فرص النجاح أكبر. وهؤلاء يتلاعبون بالقانون والدستور، ويقدمون شهادات ابتدائية أو حيازات زراعية أو عضوية نقابة عمالية لاستكمال الشكل.
النتيجة أن النسبة التى تم تقريرها لحماية مصالح الفئات الضعيفة تذهب لمن لا يعبرون عن هؤلاء الفلاحين، وبالتالى انتهى الغرض من الكوتة بطريق الخداع. وبالتالى لا يوجد من يعبر عن الفلاحين ومصالحهم، وهو ما أدى إلى تدمير الزراعة بفعل الكوتة، بل إن ذوى الياقات البيضاء والخضراء احتلوا مقاعد العمال والفلاحين، وانتهى الأمر إلى أغلبية عددية تنفذ ما تريده الحكومة ويطلبه الحزب، وليس ما يطلبه الناخبون. وحتى نجاح كثير من المستقلين والمعارضين فقد جاء إما انتقاماً، أو باحتراف لعبة اصطياد الأصوات.
ولأن البرلمانات المتتالية بأغلبيتها من الحزب الوطنى افتقد أعضاؤها استقلالهم، واندمجوا فى إدارة واحدة للحزب والحكومة، فقد اختفى الفصل بين السلطات. لا تعرف السلطة التنفيذية من التشريعية. ومعروف أن البرلمانات تعبر عن عموم المواطنين، لكنها ناتج جمع ممثلى الفئات والمصالح. لكنها عندنا نتاج تفريخ اصطناعي.
لهذا لا يمكن القول بأن البرلمان خلال عقود كان يعبر تعبيراً حراً عن عموم الشعب ومصالحه، لا فلاحين ولا عمالاً، لا طلاباً ولا عاطلين، ولا معلمين أو أطباء أو مهندسين.. وبين هؤلاء مسلمون ومسيحيون. وبالتالى الأولى أن يطالب المواطنون المصريون بكوتة وليس المرأة والأقباط فقط، كوتة أو حتى برلمان.