أكرم القصاص

إدينى عمر.. وركبنى القطر

الإثنين، 26 أكتوبر 2009 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان المثل السائد زمان هو "ادينى عمر وارمينى البحر"، على أساس أن البحر هو أخطر ما يمكن أن يواجه البشر. لكن هذا المثل انقلب فى مصر مع تكرار حوادث القطارات، ليصبح "ادينى عمر وركبنى القطر"، وينطبق على ركاب القطارات، خاصة الفقراء الذين لا حول لهم ولا قوة.. وعلى كل من ينوى السفر بالقطار أن يعتبر نفسه ذاهبا إلى الحرب أو إلى الهلاك.

ومع أن حوادث القطارات تقع فى كل إنحاء العالم، لكن مصر لها طابعها الخاص، فى نوعية الحوادث، وأيضا فى التفسيرات الغريبة والمدهشة، ليس آخرها نظرية الجاموسة، ففى مصر فقط سقطت امرأة من دورة مياه قطار ولقيت مصرعها، وفى مصر احترق قطار، ولم يعرف السبب وتم اتهام الركاب بالتسبب لأنهم يشربون الشاى. وعندما انقلب قطار تم اتهام مجهول باللعب فى الجزرة.

ولا يكتفى المسئولون بمثل هذه التفسيرات الميتافيزيقية، لكنهم يخرجون للناس بتصريحات عن محاسبة المخطئين، وتشكيل لجان فنية لا تنتهى لشىء. وإذا انتهت اللجان الفنية أو لجان تقصى الحقائق لتوصيات، لا يعمل بها وتبقى سجينة الأدراج، لتعود الحوادث وتتكرر ومعها التصريحات والوعود.

وفى مصر فقط يسقط كل هذا العدد من ضحايا حوادث القطارات والطرق، من دون أن يشعر أحد بأن هناك خطأ، 6 آلاف قتيل سنويا على الطرق فى مصر بمعدل 18 يومياً، وعشرات الآلاف من المصابين والعاهات المستديمة لا تحرك لدى الحكومة أى مشاعر، ويتناولها البرلمان كأنها من برامج المساء والسهرة.

والأهم من كل هذا هو أن أرواح ضحايا القطارات الفقراء تذهب بلا مقابل، ومع أنهم تحدثوا عن أن تحصيل جزء من ثمن التذكرة يذهب لشركات التأمين، حتى يمكن صرف تعويضات للضحايا الفقراء، فإن الحكاية، مثل غيرها من التصريحات التى لم تتحقق.

نظريا أنفقنا 8 مليارات جنيه على تطوير السكك الحديدية، وأعلنت وزارة النقل أنه تم تجديد الجرارات والعربات، وأجهزة التحكم والاتصال. ويأتى حادث قطار العياط ليكشف أن كل هذه الأجهزة كانت معطلة، والرقابة غائبة، وأن أياً من سائقى القطارين المتصادمين لم يستطع الاتصال بزميله، أو بغرف التحكم التى يفترض أنها "أتوماتيكية".

هذه الأتوماتيكبية موجودة فقط فى الإعلانات التى ابتلعت عدة ملايين من أموال دافعى الضرائب، لتكون من عجائب الدنيا وغرائب مصر. ندفع ملايين فى إعلانات تروج لخدمة عامة ومطلوبة أصلا، ولم نر من قبل إعلانات عن ميكروباصات أو تاكسيات، أو إعلانات تدعو المواطنين للاستيقاظ صباحا والاستمتاع بتلقى خدمات السجل المدنى أو العلاج فى المستشفيات العامة. لكنها الكوميديا السوداء، ملايين للإعلانات، بينما السائقون والمحصلون والعمال يشكون من ضعف الرواتب والحوافز، كيف يمكنهم العمل، وهم يرون ملايين تذهب لشركة إعلانات تلهو بها، بينما هم يحتاجون المليم. وإذا كان المثل يقول"اللى يحتاجه البيت يحرم على الجامع"، فمن باب أولى أن يحرم على الإعلانات والفشخرة الكذابة. والأولى أن تذاع إعلانات تقول "أيها المواطن.. لا تركب هذا القطار.. القطار فيه موت قادم".






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة