الحيرة، هى مصير من يحاول البحث عن قاعدة واحدة يقيس عليها طريقة تعامل نظامنا السياسى مع الأزمات أو مع السياسات. لكل حادث قرار، وأحيانا تتشابه الحوادث وتختلف القرارات. وهو أمر يتعلق بتعدد المكاييل التى يكيلون بها حسب الزمان والمكان. نقول هذا بمناسبة استقالة أو إقالة وزير النقل محمد منصور، التى بدت بعيدة ثم اقتربت وتحققت. ليدخل منصور التاريخ من باب الاستقالة وهى شىء عزيز علينا، لدرجة أننا نعتبر المسئول الذى يعلن مسئوليته عن شىء بطلا حتى لو لم نعاقبه. لماذا قبلت استقالة منصور، ورفضت استقالة فاروق حسنى. ولماذا وزارة النقل هى أكثر الوزارات التى تشهد إقالات لرؤساء هيئة السكك الحديدية وللوزراء ومع ذلك لا تنصلح أحوالها. بل إن محمد منصور قال فى البرلمان الاستقالة سهلة والصعوبة فى إصلاح الخطأ. وهو هنا صادق لكنه لم يجب، لماذا نفشل فى إصلاح أخطاء القطارات طوال عقود.
منصور هو ثانى وزير للنقل يستقيل فى أعقاب كارثة للقطار، لقد أقيل أو استقال إبراهيم الدميرى فى أعقاب حريق قطار الصعيد 2002، ومع أنه استقال أو أقيل تكررت الحوادث بعده وتواصلت، وكان المفترض أن تكون الإقالة إشارة لاختيار مسئول يمنع الحوادث أو يقلل منها وهو أمر لم يحدث حتى الآن. لدرجة أن الأمر يبدو وكأن السكك الحديدية تستعصى على المسئولين.
هيئة تبدو طوال الوقت غارقة فى البيروقراطية والإهمال مع أنها أحد أقدم سكك حديدية فى العالم، فيها أعداد ضخمة من الموظفين والعاملين سائقين وعطشجية وعمال إشارات وسيمافور، ومع أن هؤلاء جميعا هم أخطر ما فى الهيئة فإنهم لا يحظون بكثير من الاهتمام. عامل التحويلة أو السيمافور والإشارات يشغل أخطر مكان فى منظومة العمل، لكن هؤلاء لا يلقون الاهتمام، يبدون خارج نظام حاسم ورابط يجعلهم على مستوى خطورة مواقعهم. أغلب الحوادث التى وقعت ستجد فيها عامل تحويلة أو إشارة أو مزلقان أو فنى.. أغلب الأخطاء من هؤلاء مع السائقين والمساعدين.
هل يعرف وزير النقل خطورة هؤلاء العمال؟ هل يعلم وزراء النقل المستقيلون أو السابقون أن وجودهم ومكانتهم فى الوزارة تقف على أصابع هؤلاء العمال الضعفاء؟ لو كانوا يدركون خطورة مواقعهم ما كانوا تجاهلوهم أو أهملوا طلباتهم التى قد تبدو بسيطة.
ولا يمكن تصور أن يتم استيراد أو تصنيع عربات قطارات حديثة ومكيفة وذات قدرة على التحكم ومضادة للحريق والحادث كل هذه الميزات تصبح ولا حاجة طالما كان عامل السيمافور غير مقتنع بأهمية وخطورة وظيفته. لأن هؤلاء مازالوا يعملون ويعاملون بالمانيفيلة، ونفس الأمر للسائق والمساعد وعامل المزلقان. يتم تحديث الآلات، ونسيان البشر، وهذا سر الفشل.
أى جرارات أو عربات ولو كانت تعمل بالكمبيوتر، لن تعمل من دون بشر مدربين ومقتنعين وراضيين. لكن ما يحدث أن الإهمال يولد فى أحضان الإهمال. لقد أفرطت وزارة النقل فى الإنفاق على قطارات وجرارات وإعلانات، لكنها لم تستجب لطلبات السائقين والمساعدين وعمال الورش والسيمافورات والمزلقانات، لو كانت أموال الإعلانات أنفقت على هؤلاء، ربما كانت النتائج أفضل. وما كانت وزارة النقل قاهرة الوزراء.
المشكلة أن مصر تبدو مثل هذا القطار غنية جدا وفقيرة جدا، لأنها لا تحسن عدالة التوزيع.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة