ما الذى يدفع «لجنة تقصى الحقائق» إلى البحث فى قضية الهجرة غير الشرعية، الجريمة التى يمارسها شباب مصريون فى أنفسهم؟
ما الذى يدفع اللجنة إلى تخصيص حلقة كاملة، لمناقشة قضية تخص الشباب المصريين؟ هل هو الخوف على هذا الشباب ؟، هل هو البحث عن الحقيقة؟ هل هو تعمد فضح عيوب لدى المجتمع المصرى؟ ...إلخ.
الإجابة بكل تأكيد هى : لا
«لجنة تقصى الحقائق» هو برنامج مهم يذاع على شاشة الـ«BBC»، و«الهجرة غير الشرعية» هو الموضوع الذى ناقشه البرنامج فى الأسبوع الماضى بكل موضوعية، واستضاف لأجل ذلك ممثلين لأطراف متعددة على علاقة مفترضة بالموضوع، ولكن أهم من استضاف البرنامج، هم نماذج لشباب حاولوا الهجرة غير الشرعية، روى هؤلاء تجاربهم المريرة، لكنهم جميعاً أكدوا عزمهم على محاولة التجربة حين تحين لهم الفرصة!
لماذا تتذكر الـ»BBC»، الهجرة غير الشرعية، وتنساها المحطات المصرية؟
الإجابة ببساطة: أن القضية لا تزال ملحة وبلا حلول، وأن شباباً لا نعرف عددهم يدفعون حياتهم يومياً، ثمناً لمحاولات حمقاء، لم يجدوا من ينبههم لخطورتها وعبثيتها، بل إن لا أحد يهتم بصدق، بخلق توعية حقيقية حول القضية، ولا أن يستوعب لمَ يفعل المصريون هذا بأنفسهم، لماذا؟: لأن لا أحد يهتم بحل مشكلات الشباب من جذورها، أما برامجنا الغراء، فقد تتذكر الموضوع حين يغرق مركب جديد، ويخلف الحادث حكايات إنسانية تكون جذابة للجمهور، أو ربما يتجدد الجدل حول كون الضحايا هم شهداء أم لا!. وحتى هذا لن تناقشه برامجنا بجدية؛ ستتعرض فقط لما قاله المفتى أو شيخ الأزهر، ولن تناقش جذور البحث عن الشهادة فى الغرق المتعمد!
وهذا هو الفرق بين إعلام يخلق لنفسه دوراً، ويفجر قضايا، ويناقش بموضوعية، وإعلام يبحث عن الإثارة، حتى لو تغلفت بالجدية، والهجرة غير الشرعية، هى مثال فج لمنهج تعامل البرامج المصرية مع أى قضية: لأن وقتاً قد مضى، فلا يتذكرها أحد، خاصة أن قضايا أخرى تتفجر، وكمثال آخر مناسب ؛ فإن مسألة «منع النقاب» هى نموذج لما تجرى عليه الأمور، تحظى المسألة بالاهتمام كله هذه الأيام، لكنه اهتمام لا يتجاوز -فى الغالب- «سد الخانة»، ومعالجة تحفل بالصوت العالى وحسب، وتتبلور فى تقييم «لياقة» الأسلوب الذى استخدمه شيخ الأزهر فى التعامل مع الموضوع، أما مناقشة أسباب ظهور النقاب فى مصر، وانتشاره الواسع مؤخراً، والبحث عن لغة خطاب تتناسب مع المنقبات غير المسيسات ولا تتعالى عليهن؛ فكل هذا بعيد كل البعد عن الشاشة، وكلها أيام ويذهب الموضوع فى غياهب النسيان ليحل محله آخر، يبدؤه برنامج فتتبعه البقية، وتصبح الشاشات متشابهة: الموضوع واحد.. والضيوف أيضاً، أما من يريد الموضوعية، فلينتظر مرور «الموجة/ الهوجة» ثم يحول مؤشر الريموت إلى الـ«BBC»!.