أحمد عبدالمعطى حجازى

الخطر محدق بالجميع!

الخميس، 05 فبراير 2009 11:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وإذا كانت حماس قد وصلت إلى السلطة عن طريق الديمقراطية، أليس من واجبها أن تلتزم قواعد الديمقراطية التى تحفظ للمعارض حقه فى المعارضة، كما تحفظ للمؤيد حقه فى التأييد؟

ما الذى صنعه عادل إمام، ليستحق هذه الفتوى الشيطانية التى أهدرت دمه، ورمته بالزندقة والشرك والكفر والإلحاد؟!

لقد انتقد الفنان المصرى الكبير حركة حماس لأنها خرجت على السلطة الفلسطينية المركزية، وانفردت بالحكم فى قطاع غزة، فشقت الصف الفلسطينى الذى بدا ضعيفاً متهافتاً أمام إسرائيل، ثم اتبعت مع إسرائيل سياسة اتخذتها هذه حجة لشن الحرب على غزة، بحجة الدفاع عن النفس، وضرب مواقع الصواريخ التى تطلقها حماس على الإسرائيليين، فى الوقت الذى لا تستطيع فيه حماس بالطبع أن تواجه إسرائيل، كما لا تستطيع أى دولة عربية أن تواجهها الآن؛ لأن إسرائيل محمية بآلتها الحربية الضخمة، ومحمية بالقوى الكبرى التى تساندها ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، ومحمية بآلتها الدعائية التى تعمل فى الداخل والخارج ليل نهار دون أن نلقى لها بالا، مع أنها تلعب فى صراعنا مع إسرائيل أخطر الأدوار.
نحن لا نعرف الكثير عن هذه الآلة الدعائية، نتابع عملها، ولا نقدر خطرها، لأنها أكثر تعقيداً من أن نمسك بكل أطرافها ونحيط بكل مجالاتها، وأكثر خفاء من أن نلاحقها ونتابع نشاطها هنا وهناك.

الدعاية الإسرائيلية تنسج لنا تاريخ اليهود وتاريخنا وتاريخ أوروبا، تلك الصورة المخيفة التى ترهب بها العالم، وتثير الفزع فى الإسرائيليين، وتحرض الجميع علينا وعلى من يشهد لنا وتدفعهم للسكوت، وقد تخرجهم من آدميتهم وتدفعهم للتوحش، لأنها تلقى فى روعهم أننا وحوش لا ينفع معنا الالتزام بقيم الحضارة، وإلا فكيف نفسر هذا الانحياز الأعمى لإسرائيل فى مجتمعات راقية متحضرة تحترم الإنسان وتدافع عن حقوقه؟ وكيف نفسر هذا التوحش الذى ينقلب إليه الجنود الأمريكيون حين يواجهون العراقيين كما ينقلب إليه الجنود الإسرائيليون حين يصطدمون بالفلسطينيين فى الأرض المحتلة؟ لا تفسير له إلا الفزع الذى يتحول معه البشر إلى ذئاب وضباع، وبدلاً من أن يكون تاريخ الاضطهاد الذى لقيه اليهود ولقيته شعوب أخرى كثيرة على أيدى السلطات الدينية والنظم العنصرية الأوروبية دافعاً يدفعهم للبحث عن حل للقضية الفلسطينية، يصبح هذا التاريخ بالعكس محرضاً يحرضهم على أن يتقمصوا دور الجلاد ويتلذذوا بأن يجعلونا ضحايا!

ولا شك فى أن الدعاية الإسرائيلية تتغذى بما تقوله حماس وما تفعله، كما تتغذى أيضاً بما تقوله وتفعله المنظمات الأخرى التى لم تترك عاصمة من عواصم العالم إلا وقد نفرتها من الإسلام، وخوفتها من المسلمين الذين تزعم هذه المنظمات أنها تمثلهم وتنطق باسمهم. هكذا تجد إسرائيل فى مجتمعها المستنفر، وفى الجماعة الفلسطينية الممزقة، والواقع العربى المريض، والمناخ الدولى المضلل ما يشجعها فى شن حربها الوحشية، ليس على حماس وحدها التى لا تملك من آلات الحرب ما تستطيع به أن تقف فى وجه الدبابات والمصفحات، والطائرات، والمدافع، والبوارج، والصواريخ الإسرائيلية، بل على الشعب الفلسطينى الذى تنتهز إسرائيل كل فرصة متاحة لتفرض الاستسلام عليه، فهى تحت ستار البحث عن الإرهابيين وتعقبهم ومطاردتهم تصب حممها البركانية على الرجال والنساء والشيوخ والأطفال الفلسطينيين الذين تعتبرهم أعداءها الحقيقيين فى الماضى، والحاضر، والمستقبل، لهذا تقتل إسرائيل من تستطيع قتلهم، وتهجر من تستطيع تهجيرهم، فإذا بقيت من هذا الشعب بقية فسوف تكون أقلية مهيضة الجناح ترضى بالفتات، وهكذا كانت صواريخ حماس التى سقط معظمها فى الخلاء مدخلاً إلى حرب الإبادة التى شنتها إسرائيل على الفلسطينيين فى قطاع غزة فمزقت أجسادهم، ودمرت مدنهم وقراهم، ولم تتوقف إلا بعد أن أصبحت غزة وما حولها تلالا من الجثث الممزقة، وأنقاضا من البيوت المهدمة، والعجيب أن تحتفل حماس فى هذا الخراب بانتصارها على إسرائيل، بدلاً من أن تقدمه للعالم دليلاً على وحشية الإسرائيليين ورفضهم للسلام وسعيهم لتصفية القضية الفلسطينية.

ولا شك أن مجزرة غزة أثارت تعاطف العالم مع الفلسطينيين وفضحت طبيعة إسرائيل العدوانية أكثر مما كانت مفضوحة، فإذا عد هذا انتصاراً فهو انتصار معنوى للفلسطينيين وهزيمة أخلاقية ساحقة للإسرائيليين، أما أن تكون حماس قد حققت انتصاراً عسكرياً فزعم لا يتناقض مع الواقع فحسب، بل يجمل صورة إسرائيل أو يقلل من بشاعتها، ويعفيها من المساءلة والمحاسبة، ويتفق مع مزاعمها التى تهول من قوة حماس وما تملكه من أسلحة تصب نيرانها على المدنيين الإسرائيليين الذين تضطر حكومتهم فى هذه الحالة للدفاع عنهم! أليس من حق عادل إمام ومن حقنا أن ننقد هذه السياسة التى تتبعها حماس وتتصرف بها فى دماء الفلسطينيين ومقاديرهم ومصائرهم دون حساب، أو بحساب معوج لا يقدر النتائج، ولا يتسم بالحذر، ولا ينبنى على معلومات أو تقديرات صحيحة؟

وإذا كانت حماس قد وصلت إلى السلطة عن طريق الديمقراطية، أليس من واجبها أن تلتزم قواعد الديمقراطية التى تحفظ للمعارض حقه فى المعارضة، كما تحفظ للمؤيد حقه فى التأييد؟ أم أن حماس كغيرها من الجماعات المماثلة لا تعرف الديمقراطية إلا حين تكون تأييداً أو تصفيقاً، فإن عارضها معارض أهدرت دمه أو قذفت به فى أعماق السجون؟!

ولنفرض أن انفعال عادل إمام بصور المجزرة التى كان يساق لها الفلسطينيون ثلاثة أسابيع متواصلة أجرى على لسانه كلمة أو عبارة لم تعجب حماس وأنصارها، هل يكون جزاؤه أن يهدر دمه، وأن يوصف بما وصف به؟

والحقيقة أن ما تعرض له عادل إمام هو رد الفعل الذى تلجأ إليه هذه الجماعات التى تجلس فى مقاعد الحكم فتعتبر نفسها ممثلة لله، وتعتبر كلامها وحياً لا يعارضه إلا زنديق كافر ملحد. وهذا هو الدرس الذى يجب أن نفهمه ونستفيد منه فالسلطة الدينية لا يمكن أن تكون ديمقراطية ولو جاءت بأصوات الناخبين، والسلطة الدينية ليس لأحد أن ينقدها أو يحاسبها أو يستبدل بها سلطة أخرى.

ونحن نرى أن عادل إمام ليس الضحية الوحيدة لهذا الأسلوب الذى تتبعه الجماعات الدينية فى مواجهة من يعارضونها أو تعارضهم، إنها لا تناقشهم وإنما تكفرهم، المطرب على الحجار هو الآخر متهم بالكفر لأنه ذكر آدم وحواء فى أعماله الأخيرة، وهو لم يصدر فى حقهما فتوى دينية وإنما غنى أغنية أو بضع أغنيات، وآدم وحواء فى أغانى على الحجار هما الرجل والمرأة إطلاقاً وليسا أبا البشر وأمهم بالضرورة، تقول هذا فلا يسمعك أحد من هؤلاء الذين يتكسبون فى هذه الأيام بمطاردة الأدباء والفنانين المصريين وتكفيرهم وتحريض الناس عليهم.

والذى لقيه عادل إمام وعلى الحجار لقيه قبلهما فرج فودة، ونجيب محفوظ، ويوسف شاهين، ونصر حامد أبوزيد، وجابر عصفور، والخطر محدق بالجميع!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة