فى مصر، كما فى كل بقاع العالم، يبقى الحال كما هو عليه حتى يقرر شخصٌ -أو مجموعةٌ- أن يغير شيئا صغيراً فتتدحرج كرة الثلج وتكبر، فيتغير المشهد، فى هضبة الزهراء باسطبل عنتر، المشهد قمىء، كما هو الحال فى معظم أحياء القاهرة.. حوائط المنازل من الطوب قاتمة ومهملة تلتف حولك وكأنها تقسم أن الحياة لن تكتمل كما لم تكتمل المبانى هنا.. المياه راكدة فى حُفَر متتالية، الكلاب الضالة تستلقى مستمتعة على أكوام القمامة، ولا أسوأ من هذا الحال إلا تعايش أهالى المنطقة معه واعتيادهم عليه اعتياداً يبدو كالبلادة، فى شارع عنتر بنفس المنطقة، بَنَى شباب جمعية «تواصل» مقرهم الأزرق وسط امتداد قتامة الحوائط الطوبية، ثم وفرت الجمعية مواد الدهان للأهالى فتهافتوا لتنظيف منازلهم من الداخل والخارج وطلائها بأيديهم، فظهر الأخضر والأصفر، فالوردى، فالبنفسجى، فالأزرق السماوى، فالبهجة، فالأمل.. فى المنزل الأزرق المقابل للجمعية، تسكن أم ياسمين، سيدة بَشوشة كانت رغم حصولها على دبلوم صنايع لا تمتهن إلا صناعة بعض البسكوت وبيعه، بعد إنشاء الجمعية، أصبحت أم ياسمين مُشرفة، تساعد على «تواصل» الجمعية مع أهل المنطقة، تعرفهم وتعرف احتياجاتهم فأصبحت، عن جدارة، من أهم الشخصيات لهم.
أما فى المنزل الفسدقى اللون من الداخل، تدعو أم إسلام للجمعية كل يوم «الله يخليهم.. حياتنا اتغيرت، بقينا عارفين ننّظف!» وفعلاً، تلاحظ نظافة البيت ورائحته الزكية، رغم أن صغره وبساطته المتناهية تجعلك تتساءل إن كان الوضع قد تغير فعلاً! قبل شهر رمضان، كان ارتفاع المنزل الضيق لا يزيد على مترين والحوائط من الطوب والأرض من الطين عليها حصيرة، أما السقف فكان مكشوفاً.. تشير منّة ذات السنوات الثلاث إلى الحائط الذى أصبح أملس ومرتفعا وتقول: «الفار كان ماسى (ماشى) هنا»، الآن بعد تغطية السقف تماماً اختفى الفأر واختفى الثعبان الذى وجده رب البيت خلف خزانته عندما بدأ أعمال الترميم! كما غطى السجاد بلاط الأرضية فأصبح الشتاء أدفأ.. تذهب أم شيماء إلى الجمعية لمحو أميتها وتنوى أن تلتحق فيها بدروس تعليم الأشغال اليدوية «علشان تعمل قرشين يساعدوها فى الأدوية والعملية الجراحية التى تحتاج لها»، أما ابنها كريم فيحلم بالالتحاق بمدرسة الجمعية لأن «هناك مافيش ضرب خالص» أما فى مدرسته الحكومية «فيه ضرب كل يوم»، وأمام مدخل المنزل الوردى، تقول أم هبة التى كانت قد اعتادت المشهد القاتم «لولا الجمعية ماكانش حد هيفكر يدهن ولا ينَّظف» وتسأل مشرفة الجمعية عن موعد وصول الدفعة القادمة من الطلاء، فهى تريد طلاء الدور الأول بعد أن طلت الثانى ورسمت بنفسها حوائطه برسومات الحنة المصرية، فى مصر لا الناس متعايشة مع حالها بإرادتها ولا تريد أن يصل اعتيادها إلى البلادة بل تحتاج إلى من يلقى كرة الثلج.. أو أى كُرة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة