أول ما أنزل إلى أى ميدان عام وأرى سيارة التبرع بالدم المتنكرة فى شكل سيارة إسعاف بريئة أبتعد بسرعة، وحين أطمئن إلى أننى صرت على مسافة آمنة أقف قليلا لأراقب الضحايا.
فى مرة كنت سائرا فى «حدائق القبة»، وإذا برجل طويل جدا ونحيف للغاية يقبض على ذراعى من الخلف ويقول:
رايح فين يا نجم؟
نظرت له من فوق لتحت ولم أحاول أن أكمل النظرة العكسية من تحت لفوق؛ لأن هذا سيستغرق وقتا، وكنت متأخراً على الشغل، فقلت له:
وأنت مالك أنت.
ظل غارزا أصابعه المدببة فى ذراعى وقال:
ممكن نأخد من وقتك دقيقة.
تذكرت على الفور برنامج الكاميرا الخفية وقلت ربما يتم تصويرى حاليا، فسكت وتعاملت معه بلطف شديد، حتى لا أظهر بشكل سيئ أمام الجماهير، حاول بالعافية، وبكل الطرق اللزجة أن يقنعنى بأن أتبرع بالدم، وأنا متأخر ويمكننى أن أتبرع فيما بعد، أو ألا أتبرع أصلاً، لكنه عندما رأى أنه لا فائدة منى بدأ يكلمنى بطريقة غير لائقة، قال:
عموما اللى عنده دم هو اللى بيتبرع.
تذكرت نفس الإفيه من فيلم «55 إسعاف»، وحاولت أن أمسك بخناق الرجل الطويل فلم أمسك إلا حزام بنطلونه، دفعنى بشدة وقال:
اتكل على الله يا برنس.
توكلت على الله، مطمئنا إلى أنه لم يصور ما دار بيننا، لأنه لم يسألنى:
تحب تذيع ولا لأ؟
منذ يومين كنت فى ميدان المطرية ورأيت السيارة الماكرة تقف فى منتصف الميدان، وامرأة بدينة جدا تقف بجوارها، فابتعدت أنا تماما، واقترب منها رجل ضئيل الحجم، بمجرد أن صار بجوارها هجمت عليه:
اتفضل يا أستاذ عشان تتبرع.
أصابت الرجل «خضة» شديدة ورجع إلى الخلف بسرعة عندما رآها فردت ذراعيها كأنها ستحضنه، وصرخ فى وجهها:
دم إيه يا ست انتى؟ ده منظر واحد عنده دم.. يعنى انتو ماصين دمنا من كل ناحية والشويه المحروقين اللى عندنا كمان عايزين تشفطوهم عشان تبيعوهم.
ثم انتبه إلى بدانتها، وقد اقتربت منه وأمسكت بقميصه:
ما تروحى ياختى انتى تتبرعى.. دا انتى عندك دم يكفى القصر العينى.
ضبطتنى المرأة بعينها وأنا واقف أضحك، خفت أن تترك الرجل وتتوجه إلىَّ، فأعطيتهما ظهرى، ومشيت مهرولاً.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة