فى حوار.. طويل جدا ولكنه ليس هاما جدا.. أجراه الصديق والزميل عبدالله كمال مؤخرا فى جريدة روز اليوسف.. اختصر الدكتور أحمد نظيف الحكاية كلها دون أن ينتبه حين قال إن رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية، وله القرار النهائى فى النهاية ولكن الرئيس وهذا يدل على ديمقراطيته يستمع إلى آراء أخرى لكن فى النهاية.. القرار هو قرار الرئيس.
الدكتور أحمد نظيف.. رئيس الحكومة الوحيد الذى لم يخدع نفسه ولم يخدع الناس.. الوحيد الذى لم يتقمص أدوارا خيالية لا علاقة لها بالحقيقة أو الواقع.. الوحيد الذى لم يرتد مسوحا أو أقنعة تسهم فى تضليل الناس والتباس الأمور عليهم.. وقبل الدكتور أحمد نظيف.. تعددت الحكايات والوقائع التى شاهدنا خلالها رؤساء حكومات أدركوا الحقيقة منذ اللحظة الأولى، ولكنهم لم يعلنوها وعاشوا بهذه الازدواجية السياسية والإعلامية والشخصية.
فى ختام رؤيتى للحكومة ورئيسها.. ولهذا المنصب وحدوده وصلاحياته وواجباته ومسئولياته، سواء كما حددها الدستور أو كما صورها الواقع وأهله وإعلامه، وكما عايشه ونظر إليه وتعامل معه كل حكام مصر من باشا إلى خديو إلى سلطان إلى ملك إلى رئيس جمهورية.. بات من الضرورى.. ومن المهم جدا.. أن التفت إلى الدكتور أحمد نظيف باعتباره رئيس الحكومة الآن.. ولأنه كما سبق أن أشرت من قبل.. وحيث لا توجد ضوابط وحدود وأسس دستورية أو قانونية أو سياسية، يمكن الاستناد إليها لمحاسبة الدكتور أحمد نظيف كرئيس لحكومة مصر.. فليس أمامى إلا خطاب الرئيس مبارك للدكتور أحمد نظيف، والذى تضمن تكليفه بتشكيل الحكومة.. وفى هذا الخطاب.. الذى هو العقد الوحيد بيننا وبين رئيس الحكومة.. طلب الرئيس مبارك السيطرة على مشكلة التزايد السكانى.. وتوفير التعليم الذى يتفق مع معايير العصر الحديث ومتطلباته.. وتكثيف المعرفة والاهتمام بوسائل حفظ المعلومات واستخدامها.. الارتقاء بالملكات الإبداعية الخلاقة للأفراد والمجتمع.. رفع كفاءة الجهاز الإدارى للدولة.. تهيئة المناخ المناسب لزيادة تنافسية المنتج المحلى فى الأسواق العالمية.. تحقيق طفرة ملموسة فى التصدير.. منح أولوية كبيرة لقضية الاستثمار والتوظيف.
هكذا بدأ الدكتور أحمد نظيف مهمته كرئيس للحكومة، وهذا هو ما كان مطلوبا منه كرئيس للحكومة.. حتى وإن كان رئيس الجمهورية وحده الذى طلب.. فالناس فى بلادنا لم تألف أن تطلب شيئا، لا من رئيس الحكومة ولا من أى وزير أو محافظ أو حتى رئيس لشركة أو مدينة.. وأنا واثق لو أن الناس أتيحت لها فرصة أن تطلب من أى مواطن مصرى سيصبح خلال ساعات رئيسا لحكومة مصر.. فستأتى طلباتها مغايرة تماما لما سيطلبه الرئيس فى نفس الوقت ومن نفس الشخص.. ولكن هذه الفرصة أبدا لا تأتى للناس.. وبالتالى هم لا يطلبون شيئا.. ولكنهم دائما ينتظرون ويتوقعون كل شئ وسيكتفون بالسخرية والغضب إن لم يتحقق أى شئ.. وفى هذه الصورة يتحول الناس إلى جزء متناغم مع بقية تفاصيلها وموادها ووجوهها ودستورها ونظامها.. صورة رئيس الحكومة الذى لا أحد يعرف ما الذى يريده منه، ولا أحد يعرف ما الذى يقدر عليه رئيس الحكومة.. حتى رئيس الدولة نفسه.. الرئيس الحالى، وأى رئيس سابق أو ملك أو خديو.. لم يحاسب يوما أى رئيس للحكومة.. ولم يخرج للناس ممسكا بخطاب تكليف الوزارة وتحديد مهامها، ليعلن أن معظم المهام لم تتحقق ومعظم الطموحات لم تكتمل، وبالتالى فلابد من تغيير رئيس الحكومة واختيار رئيس جديد.. أبدا لم يحدث ذلك.. وغالبا لن يحدث.. لأن الرئيس.. أى رئيس.. يدرك فى قرارة نفسه أنه هو المسئول الأول.. هو الذى اختار وهو الذى أدار.. هو الذى وضع السياسة وهو الذى امتلك الرؤية.. هو الذى كان صاحب التصرف والقرار والكلمة الأولى والأخيرة.. ومجرد الإعلان الرسمى عن فشل رئيس للحكومة.. قد يعنى ولو بشكل غير مباشر أن الرئيس هو الذى أساء اختيار الشخص الذى يعهد إليه الرئيس بتنفيذ أحلام وطموحات الرئيس.. وهكذا تم الاكتفاء طوال الخمسة وأربعين ألف يوم الماضية منذ أن عرفت مصر الحكومة لأول مرة فى تاريخها برئيس قديم للحكومة يرحل ورئيس جديد يأتى.. وغالبا لا تعرف الجموع.. ولا الإعلام أيضا.. لماذا غاب من كان حاضرا ومن أين ولماذا جاء الذى لم يكن يعرفه أحد، ولا كان يتوقع أن يصبح رئيسا لحكومة مصر.
وبهذا المنطق.. أستطيع أن أعلن أن الدكتور أحمد نظيف هو أفضل رئيس لحكومة مصر وأكثرهم نجاحا.. لأنه الوحيد الذى لم يخدع نفسه ولم يخدع الناس.. لأنه الوحيد الذى لم يتقمص أدوارا خيالية لا علاقة لها بالحقيقة أو الواقع.. لأنه الوحيد الذى لم يرتد مسوحا أو أقنعة تسهم فى تضليل الناس والتباس الأمور عليهم.. وقبل الدكتور أحمد نظيف.. تعددت الحكايات والوقائع التى شاهدنا خلالها رؤساء حكومات أدركوا الحقيقة منذ اللحظة الأولى، ولكنهم لم يعلنوها وعاشوا بهذه الازدواجية السياسية والإعلامية والشخصية.. واستهواهم أن يخرجوا للناس والإعلام فى صورة أصحاب السلطة والقرار والكلمة الأخيرة.. ثم يعودوا وراء الأبواب المغلقة، ليتنازلوا عن كل سلطة وعن كل قرار أو اختيار.. مصر فى النهاية لها رئيس واحد.. قد يسمع لآراء الآخرين.. ولكنه فى النهاية يبقى وحده صاحب القرار.. والذى يقول ويعلن ذلك ليس صحفيا مشاغبا أو معارضا وليس برلمانيا طويل اللسان أو قليل الأدب والاحترام.. وإنما هو رئيس الحكومة نفسه.. وأنا أحب ذلك.. وأحترم ذلك جدا فى الدكتور أحمد نظيف.. ولكن هناك أسبابا أخرى وكثيرة تدفعنى أيضا لاحترام الدكتور نظيف.. ولابد من التوقف عندها كثيرا وطويلا وإن كان من الضرورى أولا التوقف أمام الإنسان نفسه أولا قبل أن نناقشه.. وقبل أن نحاسبه.. كرئيس للحكومة.
تسلم الدكتور أحمد نظيف مهمته وهو فى الثانية والخمسين من عمره.. سن متأخرة نسبيا بالمقاييس الشائعة أوروبيا وأمريكيا.. ولكنها كانت سن مفاجئة بالنسبة للعقيدة السياسية المصرية.. وإلى جانب أنه بتلك المقاييس المصرية كان رئيسا للحكومة فى أوج الصبا والشباب.. إلا أن الأهم من ذلك أن الدكتور أحمد نظيف لم يأت لرئاسة الحكومة من باب السياسة والنشاط السياسى.. ولا كان يملك حصته وإرثه الخاص من منظمة الشباب ومدرسة الفكر الطليعى والاتحاد الاشتراكى.. باختصار كان الدكتور أحمد نظيف أول رئيس غير سياسى للحكومة فى مصر.. بالطبع مع وجود استثناءات قليلة، لكنه حتى مع تلك الاستثناءات كانت السياسة طيفا قريبا وظاهرا وواضحا، بعكس الحال مع الدكتور نظيف.. وكانت هذه ميزة رائعة.. لأنها توافقت مع النظام السياسى والتنفيذى المصرى الفريد من نوعه فى العالم.. وطالما يفرض هذا النظام السياسى المصرى على الجميع شخصية واحدة ووحيدة تدير كل أجهزة الدولة وإداراتها.. لا يصبح هناك أى مبرر أو ضرورة لشخصية سياسية أو إعلامية قد لا تقبل حتى دون إعلان أو تلميح أو تصريح ألا تشارك فى الإدارة والسلطة والقيادة.. والدكتور أحمد نظيف لم يبد عليه طيلة خمس سنوات أنه طامح فيما هو أكثر، أو باحث عن شراكة فى الحكم أو السلطة.. والرجل بعد كل هذه السنوات الخمس لم يخجل ولم يتردد فى الاعتراف بأن القرار الأخير للرئيس وحده.. هو صاحب القرار والرأى والكلمة الفاصلة والحاسمة والأخيرة.. وهى ميزة شديدة الأهمية للدكتور نظيف قد لا يلتفت إليها الكثيرون.. وبالفعل لم يلتفت إليها أحد من قبل.. ربما لأن أحدا من قبل لم يفكر.. ولم يحاول.. ولم يرغب أصلا.. فى أى محاكمة جادة وعادلة وحقيقية لرئيس الحكومة وأدائه ورؤيته ونجاحاته أو إخفاقاته.. واكتفينا كلنا بالسخرية من الحكومة ورئيسها عند كل أزمة.. مقالات وكاريكاتير وتعابير بالكلمة والصورة كلها تهاجم رئيس الحكومة.. أحيانا عن حق.. وغالبا دون حق.. وكأن ذلك بات جزءا من المعادلة السياسية المصرية.. فالذى يريد المكاسب المادية أو السياسية أو الإعلامية عليه أن يهاجم رئيس الدولة.. والذى يريد كسب تعاطف الشارع وضحكاته عليه أن يهاجم رئيس الحكومة.. والباحث عن دور فى الإعلام عليه أن يهاجم رئيس مجلس الشورى.. وغالبا لا يأتى الهجوم أو الدفاع عن رئيس مجلس الشعب بأى مكاسب أو خسائر.. معادلة اتفقنا كلنا عليها دون توقيع أو دراسة وتحليل.. ولكننا استرحنا كلنا إلى ذلك وعشنا سنين طويلة نمارس ذلك وتستقيم الحياة والأحلام بالرغم من كل ذلك.
وعلى سبيل المثال.. قررت الكاتبة والطبيبة الاستثنائية والرائعة.. الدكتورة لميس جابر.. أن تسخر كعادة كل المصريين من الدكتور أحمد نظيف وحكومته.. واختارت الدكتورة لميس أن تقيم سخريتها على منطق إعلان الحكومة عن خطة استقبال وباء أنفلونزا الخنازير فى حالة تفشيه بإعداد مقابر جماعية للمصريين الذين سيقضى عليهم هذا الوباء.. فقالت الدكتورة لميس.. يا حكومة خلى المستشفيات عليكى والمقابر علينا.. وهى بالمناسبة سخرية رائعة تثير الضحك والإعجاب وتشعر مواطنين كثيرين بأنهم انتقموا ولو ضمنا من حكومتهم ورئيسها.. ولكن بتأمل الواقع الحقيقى.. هل فعلا الدكتور أحمد نظيف هو المسئول الأول أو الأوحد عن حالة المستشفيات العامة فى مصر، أو عن أحوال أخرى كثيرة فى سائر عموم مصر.. بالتأكيد لا.. ولكن لم يعد هناك من لديه الصبر أو الوقت ليفكر ويتمهل ويتمعن ويتأمل ويراجع نفسه كثيرا وطويلا قبل أن يصدر أى أحكام قاطعة.
أما الدكتور أحمد نظيف نفسه.. فقد تعهد منذ أيام قليلة باستمرار تعاون الحكومة مع مجلسى الشعب والشورى، معلنا ثقة الحكومة فى أن يواصل البرلمان خلال دورته المقبلة أداءه المتميز.. وهى عبارة غامضة وحافلة بالتناقضات أيضا.. فالحكومة أصلا ليست مطالبة بالتعاون مع البرلمان سواء كان مجلسا للشعب أو الشورى.. والتعاون هنا كلمة للاستهلاك الجماهيرى والإعلامى، ولكنها فى الحقيقة والواقع بلا أى معنى أو دلالة على الإطلاق.. فالحكومة هى السلطة التنفيذية التى تدير أحوال البلاد.. والبرلمان هو الذى يراقب هذه الحكومة ويحاسبها ويحاكمها.. فما هى أوجه التعاون هنا.. إننا بكلمة تعاون نصبح أمام أصدقاء فى رحلة أو سكان عمارة يواجهون مشكلة ما.. بينما لابد أن تبقى العلاقة طول الوقت أشبه بالعلاقة بين متهم وبين رئيس للنيابة أثناء جلسة للتحقيق.. ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن يقرر المتهم التعاون مع رئيس النيابة الراغب فى إدانته.. ولا أن يقرر رئيس النيابة التعاون مع المتهم الذى قد يكون مذنبا راغبا فى الإفلات بجريمته دون مساءلة وعقاب.. ثم من الذى أقنع الدكتور أحمد نظيف بأنه قد يبقى رئيسا للحكومة أثناء الدورة البرلمانية الجديدة ليعلن من الآن تأكيد تعاون حكومته مع البرلمان بمجلسيه.
فالدكتور أحمد نظيف قد يبقى وقد يرحل.. ولن يعرف أحد لماذا بقى الدكتور أحمد نظيف رئيسا للحكومة، أو لماذا اضطر للرحيل.. فإن كان على خطاب تكليفه برئاسة الحكومة وما تتضمنه من مهام.. فقد أكد الدكتور أحمد نظيف فى الحوار الذى سبق أن أشرت إليه أنه نجح فيما أوكله له الرئيس من مهام.. وقال الدكتور نظيف.. فى تصورى هناك إنجازات كثيرة تمت، ولكننى لست ممن يحبون التفاخر بما تم وأترك هذا للصحافة والأجهزة الرقابية ولمجلس الشعب.
وعلى الرغم من تأكيد الدكتور أحمد نظيف بأنه لا يحب الكلام ولن يتكلم عن حكومته وعن إنجازاتها.. إلا أنه لم يتردد فى أن يعلن أن حجم الاستهلاك المحلى فى مصر زاد أربعة بالمائة.. وهذا الرقم فى ظل أزمة عالمية يعنى أننا أمام اقتصاد ممكن أن ينمو.. وأن حكومته نجحت فى تخفيض نسبة البطالة إلى ثمانية بالمائة، وكانت أحد عشر بالمائة.. وأن حجم التجارة الخارجية المصرية تخطى حاجز الستين مليار جنيه.. منها عشرين مليارا صادرات.. وهذا الرقم لم يكن موجودا حين بدأ الدكتور نظيف عمله فى عام 2004.
ولكن.. وطالما قرر رئيس الحكومة أن يترك الحكم لآخرين من بينهم الصحافة.. فأنا باسم «اليوم السابع».. أطلب ولأول مرة فى تاريخ حكومة مصر وصحافتها أن يسمح الدكتور أحمد نظيف بجلسة محاكمة لرئيس حكومة مصر فى «اليوم السابع».. على الأقل لمراجعة كثير من أمور وحسم كثير من خلافات وشكوك.. وتصبح قاعدة جديدة نتفق عليها، وهى أن فى مصر حكومة، وأن لهذه الحكومة رئيسا يمكن أن نحاسبه ونحاكمه ويجوز جدا أن نغضب عليه ومنه، أو نشكره ونثنى عليه.
لمعلوماتك...
◄1999 تولى الدكتور نظيف منصب وزير الاتصالات فى حكومة الدكتور عبيد