أنا اللى طول عمرى بصدق كلام الصبر فى المواويل - ومن غير ما يعدى على جهاز كشف الكذب - لم أعد أصدقه منذ ركبت التوك توك لآخر مرة، فالولد الذى كان يمثل دور السائق، وما هو بسائق، كان «ألدغ» فى كل الحروف, ما عدا حرف الـ«آه»، وظل حريصاً على أن يطربنى طوال الرحلة بصوته الذى لا يفرق كثيراً عن صوت موتور توك توكه.
لم أميز كلمة واحدة مما يقول، لكننى فهمت أنه يغنى موالاً من كثرة الآهات التى كان يقذفها على المارة، مع كل مطب.
أحب التوك توك، ولا يشاركه الحب فى قلبى إلا سائقوه، فأنا شخصياً أنتمى إلى سواقين, وسباكين, وميكانيكية, وخراطين, وتباعين, وبوابين وفطاطرية, وبقالين, وقهوجية, ونجارين, وترزية, ونقاشين, وكهربائية, و«فوالين» هذا الوطن.
أنا من السكان الأصليين لمصر، كما يطلق علينا بلال فضل، ومن أهم خصائص هؤلاء السكان، أنه إذا حدث حادث لا قدر الله، وانقلب التوك توك على أم رأسه، فأنت لا تستطيع التمييز بين ثلاثة أشياء: السائق، والركاب، والتوك توك نفسه، من فرط تشابههم فى السمات العامة.
نحن يا صديقى نشبه التوك توك تماماً: نسير دون تراخيص، ويتم ركوبنا، ونهتز بشدة فى المطبات، ونعطل أحياناً، ولايمكننا السير فى الطرق المخصصة لذوى النفوذ، ويطاردنا الأمن، فنكتفى بالشوارع الخلفية، ويمكننا بمنتهى السهولة أن ننقلب.
قديماً كنا نتكتك من البرد، فأصبحنا نتكتك لنصل إلى أعمالنا، التوك توك الأسود ينفع فى المسافات القصيرة، بغض النظر عن المطبات، وإذا كان التوك توك هندى الأصل، فنحن ننتمى إلى الفراعنة، وتخيل معى فرعوناً يرتدى الزى الرسمى يركب توك توك ليتفقد الرعية، وتخيل لو كان التوك توك موجوداً أيام الثورة العرابية، فركبه أحمد عرابى بدلاً من حصانه الشهير.
أنا رأيت بعينى رأسى عروسين يُزفّان فى توك توك، ورأيت عشرين مراهقا يحملون توك توك جديداً يزفّونه، ورأيت توك توك دخل فى شجرة، ورأيت شجرة مرسومة على مؤخرة توك توك، وكما قال القدماء توك توك فى اليد خير من عشرة جنيهات، وساعة التوك توك ما تتعوضش، وقيراط توك توك ولا فدان ميكروباصات، واللى تكتك ما ماتش، ورب توك توك خير من ألف أتوبيس.
لقد تغير المصريون، بدليل أننا قديماً كنا حين نريد استيقاف تاكسى نقول: تاكسى تين نيلة، ثم أصبحنا نستوقف التوك توك بإيماءة، وكل لبيب للإشارة يكسر.
وبالمناسبة دى، يا ريت مهندس الصوت يشغل لنا أغنية: يا توك توك الغرام يا مقرب البعيد.