أن نحكى ونحكى.. موهبة ورثناها عن أجدادنا العرب، أو.. ابتلينا بها.
فى الأسبوعين الماضيين، راقت برامج «التوك شو» كثيراً، مسألة إلغاء أو تأجيل موسمى الحج والعمرة؛ كتبعة لانتشار وباء أنفلونزا الخنازير، وطبعاً لأن الموضوع مهم وملح.. ومثير، كان الطبيعى أن «تطعم» به البرامج فقراتها، ثقةً منها بأنه مادةً لجدل لن ينتهى.
من أكثر هذه الفقرات وضوحاً، ما قدمه برنامج «90 دقيقة»، حين استضاف د.«ملكة زرار» الداعية الإسلامية، و«أشرف شيحة» صاحب إحدى الشركات السياحية، ود. «عبدالهادى مصباح» استشارى المناعة، كممثلين للأطراف الثلاثة المهتمين بالموضوع، وهو ما عكس فى الحقيقة أيضاً المواقف السائدة لدى رجال الدين، وكذا أصحاب الشركات السياحية، وأيضا المتخصصون فى الصحة.
للأسف.. المتابع لنوعية الحوار الدائر يعرف أنه استغرق أكثر مما يجب بكثير، صحيح الموضوع مهم، لكنه فى النهاية لم يقدم سوى وجهات نظر شبه موحدة، وإن عكست شيئا، فهى تعكس رؤية محدودة وقاصرة لقضية خطيرة، ولأن الحوار يدور على شاشات الفضائيات التى تقدمنا للعالم، هنا يمكن أن نتصور بسهولة كيف يرانا العالم؟ وما الصورة التى يكونها عنا، أو التى نرسمها نحن فى أعينه بمعنى أصح.
فى الوقت الذى تأخذ فيه هذه القضية المساحة الأكبر من الاهتمام الإعلامى، نجد العالم يقف على الجانب الآخر، باحثاً عن حلول لمشاكله، ليس فى تحديده للمشكلة وحسب؛ وإنما فى أسلوب المعالجة الإعلامية أيضاً. ففى ذات الأسبوع، الذى تصاعدت فيه حمى الحوار حول «هل نلغى الموسم أم لا؟»، بدون أى معالجة «فى الصميم» تقدم حلولاً محددة حيث حاول الجميع الالتفاف حول إبداء رأى يريح ضميره؛ تلافياً للصدامات، أو خوفاً من التحمل بذنوب قدمت الإعلامية الأمريكية «أوبرا وينفرى» فى برنامجها الأكثر شهرة «أوبرا شو»، حلقات أسبوع كامل حول موضوع واحد، وهو: كيفية تعامل الأشخاص مع تبعات الأزمة المالية العالمية، استضافت «وينفرى» خبيرة مالية لتقديم الاستشارات العملية جداً للمشاهدين، على مدار أسبوع كامل، حصل المشاهدون الأمريكيون على نصائح مالية مجانية، عملية وغير نظرية، تم اختيار نماذج لمشكلات حقيقية، وتقديم الحلول لها، وهى نماذج مثلت كل أنواع المشكلات التى تقابل الأمريكيين (بكل شرائحهم) بسبب الأزمة، هذا هو ما يقدمه برنامج «توك شو» أمريكى لمشاهديه: الصراحة فى التعامل مع الواقع وتحديد المشكلات والحلول التى تناسب الجميع.
أما عندنا فـ«لف ودوران» حول المشكلة، ولا محاولة حقيقية لحلها، بل الأسوأ: عرف العالم كيف نفكر، فنحن فى التوجه العام مع الموت فى سبيل الحج أو العمرة على اعتبار أنه موت فى سبيل الله، وأنه مقدر ومكتوب، وأن من دخل الحرم فهو آمن لن يصيبه مرض، كل هذا ولا نزال نغضب حين يندهش الغرب من رفضنا لمقتل مسلمة بسبب حجابها، وعدم تفسيرنا له على أنه «مقدر ومكتوب»!