أكرم القصاص - علا الشافعي

وائل السمرى

على سفر

الخميس، 30 يوليو 2009 07:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أتلهف على السفر، ولا أسعى إليه، وكلما أتيحت لى فرصة أبدل بها الأمكنة والأزمنة والوجوه أهرب منها بكل ما أوتيت من حيلة، أردد فى داخلى بيت أبى الطيب المتنبى:
خُلِقْتُ أَلُوفًا لو رَجَعْتُ إلى الصبا
لفارقتُ شيبى موجع القلبِ باكيا
شىء ما يدعونى إلى الثبات، إلى الطمأنينة، إلى الخمول، يقول الشىء: كفى ما بالداخل من ثورة دائمة، لا تجعلها ثورتين، اجعل الجدل قائما ما بين الثابت والمتحول، وأنت الثابت المتحول، وشىء ما أيضا يثور على هذه الدعوة يطالبنى بعدم الاستسلام للسكون، يقول: السكون أول بشائر الموت، السكون عماء مستبد، السكون مهنة الجبناء، وحيلة الثعابين.

أتهيب السفر.. تشغلنى دائما حالة الاستعداد له، وما يصاحبها من ارتباك روحى ونفسى ووجدانى، وإن كان السفر إلى خارج البلاد تكون المشكلة أعمق وأكبر؛ فأنا أكره الموظفين والمكاتب والتأشيرات والتصاريح، أشعر دائما حينما أكون «على سفر» أنى نسيت شيئا ما، أعيد فرز الحقائب لأتأكد من أن «كل شىء تمام» وما أن أخرج من البيت حتى أشك فى إحضار شىء ما فأفتح حقائبى فى الطريق لأتأكد مرة أخرى، نفس الشىء يتكرر فى رحلة الرجوع، التى تكون أكثر قسوة ومرارة حينما ألقى نظرة أخيرة على الغرفة التى عشت فيها بعض الوقت تاركا بها رائحتى، وأعقاب سجائرى، وقصاصات ورقى، وبعض الذكريات، تاركا بها وجودى المؤقت، ويصاحبنى شعور بالألم يرافق يأسى من رؤية «غرفتى» مرة أخرى.

شىء ما يجمع بين حالة السفر، وحالة السكر، وحالة الاحتضار، فى السفر جسد يخرج من مكان ويدخل فى آخر، فى السكر وعى يغادر العقل ويدلف إلى الأعماق، فى الاحتضار روح تنسل من الجسد وتسبح فى الملكوت، والانتقال هو أقسى ما بالأمر، الانتقال مواجهة بين كيانين مستقلين ومتناقضين غير مأمونة النتائج، الانتقال اختيار صعب ما هو «كان» وما «سيكون» الانتقال وجع يؤججه الحنين، الانتقال عدو الرضا، وصديق المغامرة.

قد أكون الآن وأنت تقرأ هذه السطور أستعد لحمل حقائبى متجها إلى مطار القاهرة، ومنه إلى الطائرة ومنها إلى عمان، للمشاركة فى مهرجان منتدى الرمثا الثقافى للشعر العربى، الذى تبدأ فعالياته غدا وتستمر حتى الخامس من أغسطس، ويحتفل المهرجان فى هذه الدورة الاستثنائية بمرور خمس عشرة سنة على بدايته بدعوة عدد كبير من الشعراء العرب، الذين سوف يجوبون الأردن من أقصاها إلى أقصاها، كما قيل لى، بعيدا عن العواصم وصخب العواصم، جاءتنى الدعوة فلبيتها على الفور، على الرغم من عدم إلمامى وقتها ببرنامج الاحتفال أو فعالياته، لم يغرنى إلقاء الشعر فى بلد غريب أمام جمهور كبير، ولم تغرنى الأسماء التى سوف تصاحبنى فى المهرجان، ولم يغرنى كم الاحتفاء الذى لاقيته من منظمى المهرجان، أغرانى السفر، فلبيت الدعوة للسفر، فقط للسفر، رغم أنى لا أحب السفر!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة