الوضع العام الذى قاد إلى قرار إغلاق القنوات الفضائية الدينية على النايل سات هو الحصاد المر لبذور تم زرعها منذ سنوات طويلة فى رحم المجتمع المصرى، من الذى زرع؟ ومن الذى روى؟ ومن الذى رعى؟ لا أنا ولا أنت ولا أى أحد يملك إجابة واضحة، نحن فقط نشاهد أشجار التدين الشكلى واللاعقلانى واللامصرى وهى تنمو حولنا، وتتشابك أغصانها حتى تكاد تبتلعنا، وننظر لبعضنا البعض نظرات استفهام ودهشة ثم يمشى كل منا فى طريقة.
هل نعرف أنا أو أنت أو أى أحد آخر تفاصيل الصفقة بين الرئيس السادات وبين جماعة الإخوان المسلمين فى أوائل السبعينات؟ نحن نعرف عنوانا كبيرا غامضا يحمل اسم (الصفقة) ما التفاصيل؟ ما الأسرار؟ ما الذى أخذوه؟ وما الذى أعطوه؟ لماذا تغير شكل الحياة العادية فى مصر؟ لماذا تبدلت أزياء المصريين وعاداتهم ونواديهم وأفراحهم وثقافتهم؟ وهل كان ذلك جزءا من الصفقة أم لا؟ لا أحد يعرف، والذين عقدوا الصفقة من الجانبين رحلوا أو كادوا وتركونا لا نفهم شيئا أو نكاد لا نفهم شيئا سوى العناوين العريضة.
لماذا أغلقت مصر عبد الناصر جماعة أنصار السنة المحمدية –المركز الأساس للسلفية –فى 62 ولماذا أعادها الرئيس السادات فى 71، وعندما عادت فلماذا عادت وبأى شروط، وماذا فعلت وتفعل؟ فى الماضى وفى الحاضر وفى المستقبل؟ وهل نحن –كمجتمع –نعرف أم لا نعرف؟ وإذا كنا لا نعرف فلماذا؟ وإذا كنا نعرف ونصمت فلماذا أيضا؟
هل إغلاق القنوات الدينية عدوان على حرية الرأى والتعبير؟ سؤال هام قبل أن تجيب عنه عليك أن تجيب عن سؤال أهم، وهل التحريض الصريح والعلنى على الأقباط والشيعة واتهامهم بالكفر وبالاسم يدخل ضمن حرية الرأى والتعبير.
هل قرأت أنت أو أنا ميثاق الشرق الصحفى أو الإعلامى أم أنه كالعنقاء والخل الوفى كائن أسطورى نسمع عنه ولا نراه، وإذا رأيناه فإننا نستثقل ظله ونتحجج بكافة الحجج حتى لا نجلس معه، هل الحض على كراهية الآخرين وممارسة العنف ضدهم جزء من حرية التعبير أم من محظورات ميثاق الشرف الإعلامى؟ أم جزء من بضاعة القنوات الدينية المغلقة.
هل الحض على كراهية الآخرين بسبب اختلافهم عنك فى اللون أو الجنس أو المعتقد مخالف لميثاق لشرف ولحقوق الإنسان؟ أم أنه مطابق للإسلام على الطريقة الوهابية؟ وهل يمكننى كمستهلك أن أعيد البضاعة المستوردة إذا كانت لا تناسبنى أم أن البضاعة المستوردة –من هناك – لا ترد ولا تستبدل –وإذا صمم المستهلك على إعادتها فسيصبح هو المتهم، وسيحرر له محضر بتهمة الاعتداء على حرية الرأى والتعبير.
كان من اللافت جدا فى حديث الداعية صفوت حجازى الغاضب بشدة من إغلاق القنوات تأكيده بين كل جملة وأخرى على أن (كل شىء كان يتم بعلم الأجهزة الأمنية) وكلام الرجل صحيح، وهو أيضا يشير إلى موضع من مواضع الخطأ القنوات الفضائية ليست تنظيمات سرية لتتولى ملفها الأجهزة الأمنية، والشيخ صفوت حجازى لا يحمل السلاح، لكنه بدروسه وخطبه يحرض الملايين على حمل السلاح ضد بعضهم البعض، وهو بالتأكيد ليس متهما لدى المباحث، ولكنه بكل تأكيد متهم ومدان فى محكمة الوطنية المصرية، وشهادة صفوت حجازى شهادة هامة ودالة وهى تحتاج لصوت شجاع يقول إن محاربة التصحر الثقافى والتطرف الفكرى والدينى الذى يجتاح المجتمع فى مصر ليس دور الأجهزة الأمنية، وليس اختصاصها من الأساس، دور رجل الأمن هو حفظ الأمن وليس أكثر.
وإلا فما فائدة أن تجبر إرهابيا على أن يترك الكلاشينكوف وتتركه يتسلح بالميكروفون.
وبالمناسبة ما الجهة التى تحارب أو تقاوم التطرف فى مصر هل هى الأجهزة الأمنية؟ هى بصريح العبارة مشكورة ولا تصلح وغير مؤهلة لمقاومة التطرف الفكرى لا هو دورها ولا هذه طاقتها، هل هى وزارة الثقافة؟ إنهم مشغولون بسرقة اللوحة وتداعياتها، هل هى وزارة التعليم؟ بالطبع لا لأن معركة الكتاب الخارجى لم تترك طاقة لشىء آخر، هل هو الإعلام، الإعلام الخاص مشغول ومضطر لمنافقة الجماهير كبديل عن منافقة السلطة ومعظم العاملين فى الإعلام الحكومى يعتبرون أن الكلام فى مثل هذه الأمور عيب إن لم يكن حراما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة