كيف تصنع «إعلاما تليفزيونيا»، وكيف تصنع «إعلاما إذاعيا»، لم تعد هى المهمة التى تشغل بال صناع الإعلام فى العالم الأوروبى، لأن هذا العالم ببساطة قد تجاوز مرحلة التساؤل عن الأنواع المختلفة من المنتج الإعلامى؛ فهو بالنسبة لهم «منتج واحد يقدم إلى أكثر من متلق من خلال صور مختلفة».
الاطلاع على تجربة الـ DR فى الدنمارك (أكبر هيئة إعلامية دنماركية تقدم الإذاعة والتليفزيون والمواقع على الإنترنت) هو أمر غاية فى الأهمية، من زاوية قد لا تخطر على البال؛ فتلك المؤسسة الإعلامية، فى تلك البلاد البعيدة جداً أقصى شمال أوروبا، تمتلك التحديات ذاتها التى تواجهنا فى مصر!.. الأسئلة التى تضطلع المؤسسة بالإجابة عنها فى سبيل صناعة إعلام قادر على المنافسة عالمياً، هى نفسها التى نبحث نحن عن الإجابة عنها، وهى مفارقة لا تعكس سوى أن التحديات أمام صناعة الإعلام فى العالم كله هى واحدة، والمشكلات التى تواجه المهنة هى أيضاً واحدة، ما بين شمال أوروبا وشمال أفريقيا.. لا فرق يذكر!
وللتعرف على التجربة وجهان مختلفان: فمن ناحية.. الإحساس بالفخر والسعادة أننا فى مؤسسة «اليوم السابع» نقف عند المرحلة نفسها من التساؤلات المهنية والتحديات التى نعمل بالفعل على التفاعل معها! وهى تلك التى تقف عندها مؤسسة أوروبية رائدة سبقتنا إلى الوجود بعشرات السنين!.. أما الوجه الآخر فهى أن صناعة إعلام قوى ومتطور ومتفاعل ويملك القدرة على المنافسة، هى مسألة تحتاج إلى كثير من الإنفاق المالى، وإذا كانت تتوافر فى الدنمارك الأساليب المناسبة لتوفير التمويل، خاصة لهيئة الـDR التى تحصل على دعم من الدولة؛ فإننا فى مصر ما نزال على مبعدة من توفير سبل إنفاق مطَمئنة لصناعة «إعلام قوى» ينفق بلا قلق، سواء على تحديث أجهزته أو تطوير صانعيه ومنحهم أماناً وثقة فى المستقبل مما يجعلهم قادرين على الإنتاج.
السباق الإعلامى العالمى المحموم، لن يعرف التوقف إلى مدى لا يعلمه إلا الله، التحديات واحدة وآليات الصناعة واحدة، وطرق الحصول على التمويل وسبل الإنفاق مختلفة، تُرى إلى أين يؤدى هذا؟
المؤكد أننا كصناع للإعلام المصرى، يجب أن نعمل «عصفاً ذهنيا» سريعاً، لتطوير آليات تمويل تستهدف بالأساس التمهيد لسوق إعلامية تؤمن حقيقة بهذه المهنة العظيمة، فى الوقت ذاته التى تمارس فيها آليات المنافسة، وهى قضية كبيرة وملحة: أن نمارس إعلاما حقيقياً.. أو نتخلف عن الركب!