يسرى الفخرانى

أيام من عمرنا!

الأربعاء، 10 فبراير 2010 12:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليست الأخبار السيئة هى التى تصنع دائما الصفحات الأولى فى صحف الصباح!
ولا هو الإنسان الذى يعض كلبا فى الطريق.. تبقى القصة التى يفضل القراء الاستمتاع بها قبل النوم، بهذه المقدمة يمكن أن أكشف لكم عن خطتى فى كتابة مقال ليس من النوع المفضل غالبا لدى القراء وبالتالى المشاهدين، مقال عن أخبار سعيدة منها أن: معدل ارتكاب الجريمة فى مصر انخفض فى النصف الثانى من يناير إلى أقل من النصف حسب تصريحات وزارة الداخلية فى صحيفة الأهرام، ارتفع فى الوقت نفسه معدل التبرعات الإنسانية التى جمعها المصريون إلى مائة ضعف حسب معلومات من الجمعيات المهتمة بأحوال الفقراء والمحتاجين فى بلدنا!

حدث هذا، أما كيف حدث فهو أمر بسيط يتلخص أننا عشنا حدثين مختلفين متقاطعين فى الفترة نفسها: الأول حدث سعيد هو الفوز المتكرر من مباراة إلى مباراة فى بطولة الأمم الأفريقية، وفيها عشنا أياما من الترقب الجميل، والشعور بالنشوة بالنصر، والوصول لذروة الحدث بالفوز الكبير على الفريق الجزائرى، والدخول بالتالى إلى مناورات مصرية جزائرية انتهت تقريبا بالفوز الثالث بالكأس، فاجتمعنا جميعا تقريبا على أهمية هذا الإنجاز بما منحه لنا من فرحة طاغية كانت من القلب، ولم يستطع أحد أن يختصر من قيمة هذا النصر الرمزى لمصر والفرحة التى انتشلت قلوبنا من قسوة الواقع ولو لبعض الوقت!

الثانى كان حادثا مؤلما مؤسفا هو طرد عائلات من بيوتها الصغيرة ووضعها على حافة الموت وحافة الكراهية لكل شئ، هذه السيول التى غمرت أسوان وسيناء والبحر الأحمر، كارثة طبيعية كشفت ثقوبا واسعة فى إدارة الأزمات والتحرك السريع لاحتوائها!

أمام حدث سعيد وحادث حزين، تألق المصريون فى الحدثين، فى الأول أكتملت كل صفوف المصريين بمختلف أفكارهم وعقائدهم واتجاهاتهم، تكاتفوا فى الدعاء إلى الله وفى الاعتراف بالانتصار وفى الفرحة بأصحاب الإنجاز، هكذا رأينا مصر ولو لوقت قصير بلدا واحدا قادرا على أن ينسى لساعات كل أزماته وكل الخلافات العابرة أو الدائمة. وفى الثانى استطاع الأطفال والكبار.. الفقراء والأغنياء اقتسام الرغيف والحليب والدفء مع كل من أصابته السيول فى بيته وطعامه!

فى ساعات قليلة، وصلت حصيلة الحب المصرى إلى أكثر من نصف مليار جنيه!
كان المشهد يسير متوازنا: نحرز هدفا فى البطولة.. وتذهب قافلة خير إلى أسوان أو العريش، نحتفل بفوز فى مباراة.. ونفرح أن طفلا ينام تلك الليلة وهو مطمئن أن لديه طعاما لشهر قادم، نصل إلى البطولة.. ونصل إلى كل عائلة تتعذب فى برد الشتاء.

لم تكن السيول وحدها هى الحدث الذى يجب أن يتصدر الصفحات الأولى.. كان يجب أن نرى فى الصفحات الأولى مصر الأخرى، مصر البشر، مصر الشوارع والبيوت، كل هؤلاء وهم يبكون على صدور الجوعى والمشردين فى السيول.. وهم يضحكون على براعة جمع ووصول معونات الإغاثة فى وقت قياسى!

أسجل هنا الدور الكبير الذى قام به عمرو أديب فى القاهرة اليوم، دور إيجابى حيث وضع كل خبراته الإعلامية وكل المساحة المتوفرة له فى خدمة هدف محدد وهو توجيه المعونات الإنسانية العاجلة إلى البيوت والعائلات المنتظرة، ونجح لأنه لعب الدور من القلب.. فتواصل معه المشاهدون من القلب أيضا. ولمع فى نفس الحلقة زميلنا محمد مصطفى شردى.. وكانت الحلقة أشبه بطوق نجاة فى بحر عاصف، لم يكتف أن يطلب التبرعات العاجلة.. لكن أرسل إشارة لها معنى إلى عائلاتنا فى أسوان وسيناء أن مصر كلها معهم.. وأنهم جزء من مصر وناس مصر!

لقد اقترح قراء على الفيس بوك فكرة أن يكون يوم 1 فبراير من كل عام عيدا للانتماء، الاقتراح جاء على خلفية فوزنا فى بطولة أفريقية، أوافق وأتمنى أن يصبح 1 فبراير عيدا للانتماء عن كرة القدم وعن الموقف الإنسانى فى أحداث السيول!

كلاهما يستحق، وأضيف أمنية أن تدرس مراكز الدراسات حال مصر فى النصف الثانى من يناير، كيف كنا نفكر؟ ماذا حدث لنا؟ ما الذى جعلنا فى وقت واحد نفرح للنصر ونبكى على السيول، هذه الشخصية المصرية الفريدة التى لم تفقد حماسها للفوز فى مباراة كرة قدم.. فى الوقت الذى كان قلبها يعتصر ألما على السيول التى حاصرت المئات، كما لم تفقد اهتمامها بمتابعة تفاصيل إنقاذ ضحايا السيول بالغذاء.. فى الوقت الذى كانت فيه تسهر لتفرح فى الشوارع حتى الصباح!

أسبوعان من عمر مصر، ماحدث فيهما ليس جديدا علينا: نصر وكارثة.. فوز وأزمة، الجديد هو اجتماعهما معا فى صورة واحدة، تناقض يفسر شخصية الإنسان المصرى وعبقريته التى تختصر حكمة قديمة تقول: يظهر معدن الإنسان فى وقت الشدة!
هذا بلد جميل وعلى أبنائه أن يثقوا فى أنه كذلك، وعلى إعلامه أن يتحرك نحو نشر ثقافة اللون الأبيض ولو كان ضد شعار «الزبون عايز كدة»!

وإلى الجميع، أبقوا الأعلام مرفوعة فى سماء مصر، الأعلام التى رفعناها فى مباراة كرة قدم.. يجب أن نرفعها فى الانتخابات القادمة.. وفى كل مدرسة وكل مصنع وكل مؤسسة!
مازلت مؤمنا أن مصر يمكن أن تنهض فى أقل من خمس سنوات.. بشرط أن نخلص جميعا لها.. ونتعامل معها بما يرضى الله. ونتعلم الدرس من الأيام التى مضت بكل ما فيها من كفاح من أجل الفوز فى مباراة أو إنقاذ إنسان من البرد.
من أجل أولادك.. حاول أن تفعل!









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة