أن تتحول وزارة الثفافة إلى خصم للمبدع، وأن تقوم برفع دعوى قضائية على المبدعين فهذا آخر ما كنا نتصوره، حيث يبدو الأمر كأنه نكتة ساخرة وشديدة المرارة، والأزمة هنا لاتتعلق فقط بالموقف الغريب والمدهش الذى اتخذته الوزارة من صناع فيلم «المشير والرئيس» عندما قامت برفع قضية ضد صناع الفيلم تطالب فيها بوقف تصوير الفيلم لأن هناك جهات سيادية لم يعرض عليها العمل، ولا أعرف ما الذى دار بخلد رئيس الرقابة على المصنفات الفنية الدكتور سيد خطاب، قبل إقدامه على مثل هذه الخطوة، وكيف تصور تفاصيل ذلك المشهد الفريد من نوعه، والذى أعتقد أنه قد يكون الأول من نوعه فى تاريخ العلاقة بين المبدع ووزارة الثفافة التى من المفترض أنها بيت المبدع والإبداع ودورها الرئيسى حمايتهم وليس العكس.
والفيلم الذى عانى من تعنت الرقابة وخوفها لمدة تسع سنوات أنصفه القضاء، لذلك كان الأولى بالرقابة أن تنأى بنفسها عن موطن الشبهات وترفع شعار أن الأمر بيد القضاء ومتروك له، فى حالة إذا اعترض أحد بحسب زعم الرقابة، وهذا من منطق حماية الإبداع والمبدعين خصوصا أن الرقابة ليس دورها أبداً استباق الأحداث وكأنها أصبحت ذراعا لهيئات وجهات أخرى ولا تملك صوتها الخاص، كما أن الخوف هو الذى أصبح يحرك كل من يجلس على كرسى الرقيب.
والجهات السيادية التى تتحدث عنها الرقابة بالتأكيد سمعت عن الضجة التى أثارها الفيلم طوال الـ9 سنوات الماضية وعن اعتراضات الورثة والجدل حول نهايات الفيلم، وأعتقد أن الرقباء السابقين قد سبق لهم إرسال السيناريو للجهات المعنية بذلك.
ولكن يبدو أن الرقابة المصرية باتت سيفاً على الإبداع ولم تعد مهمتها تقتصر على إجازة النصوص وإبداء التحفظات عليها، بل تقوم بدور المخبر لدى جهات متعددة، وهو نوع من التزيد يجعلها ملكية أكثر من الملك، وكان من الأولى أن يبدأ الدكتور سيد خطاب رئاسته للرقابة بإرساء تقاليد جديدة والبداية من حيث انتهى الآخرون، وكان عليه أن يأخذ من أزمة فيلم «المشير والرئيس» تلك الانطلاقة ليبدأ عهداً جديداً فى العلاقة بين الرقابة والإبداع، والتى شهدت تدهوراً فى الفترة الأخيرة ولكن يبدو أنه تصور أن إجازته لعدد من الأفلام تحت لافتة للكبار فقط كفيلة بلفت الانتباه إليه وجعل البعض يردد أنه رجل حر ومتفتح ويجيز الأفلام بدون حذف، وعلينا أن نصفق له.
فى حين أن قيام وزارة الثقافة، ممثلة فى الرقابة، برفع قضية ضد عمل إبداعى أراها جريمة لا يجب على المبدعين أن يتركوها تمر مرور الكرام، خصوصا أنها تكرس لانتكاسة إبداعية.. والمسألة هنا ليست دفاعاً عن فيلم بقدر ما هى دفاع عن حق المبدع والمبدعين فى توصيل فنهم بالشكل الذى يرغبون فيه.