ثروت الخرباوى

نقض حكم هشام طلعت مصطفى

الأربعاء، 03 مارس 2010 07:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليس تنجيما أو رجما بالغيب إذا قلت إن محكمة النقض ستقضى صباح الخميس الموافق الرابع من مارس الحالى فى قضية هشام طلعت مصطفى ورفيقه محسن السكرى، بنقض الحكم الصادر من محكمة الجنايات الذى كان قد قضى بالإعدام لكليهما، وسيتضمن الحكم الذى سيصدر بنقض الحكم وإلغاء الإعدام "إعادة القضية لمحكمة استئناف القاهرة لنظرها مرة أخرى أمام دائرة أخرى من دوائر محكمة الجنايات".. ولن يصدر الحكم بهذه الكيفية لكون هشام طلعت مصطفى من رجال الأعمال الكبار الذين اقتربوا من السلطة وتربوا فى أحضانها.. فمحكمة النقض أكبر وأعلى وأعدل من أن تنظر للون أحدهم السياسى ومشاربه وأمواله..
كما أن الحكم الذى سيلغى حكم الإعدام لن يكون مبعثه براعة المحامين ـ رغم براعتهم ـ أو قوة أسباب نقضهم ـ وقد تكون كذلك ـ أو عدم توافر الأدلة مثلا أو المغالاة فى العقوبة الخاصة بالمُحرض ـ الذى تساوى عند محكمة الجنايات بمرتكب الجريمة ـ ولكن سيكون نقض الحكم وإلغاء الإعدام لسبب آخر.
أما الحقيقة التى قد لا يعلمها الكثيرون فهى أن محكمة النقض لن ترتكن لأسباب النقض التى كتبها المحامون الأفاضل، ولكنها ستتحجج بأحدها وستمسك بتلابيب أى سبب لنقض الحكم، يتساوى فى هذا أن يكون من كتب أسباب النقض هو من المحامين البارعين أو عمالقة القانون ومبدعيه أو يكون من كتبه هو أقل المحامين شأنا فى الإبداع والإبداء والتأسيس.
وأغلب الظن أن المحامين الذين كتبوا أسباب النقض يعلمون ما أقوله علم اليقين، ولكنهم يقينا يخفون ما يعلمونه لأسباب تعود إلى اعتزاز المحامى بنفسه وعلمه وجهده الذى سطّره فى الأوراق وحتى ينسب الفضل لهذا أو ذاك منهم، وفقا لنظرية "إنما أوتيته على علم عندى"، أو نظرية "أنا ربكم الأعلى" فى القانون طبعا، وليس فى شىء آخر، فما هى الميزة التى ستعود على المحامى إن هو قال لموكليه: إن الحكم سيتم نقضه لا محالة سواء كتبت أنا مذكرة أسباب النقض أو كتبها غيرى.. ساعتئذ لن يكون له فضل فى نقض الحكم.. بل لعلك سمعت أحد المحامين فى هذه القضية وهو يقول: "لقد ترافعت خمس ساعات أمام محكمة النقض، وهو الأمر الذى لم يحدث فى تاريخ المحكمة من قبل.. مع أنه حدث وحدث وحدث ويحدث وسيحدث، ومع أن المقياس أمام محكمة النقض ـ وغيرها من المحاكم ـ ليس فى عدد الساعات، بل بالقيمة والإبداع والتأثير ولو كان فى دقائق معدودات.. ولكنها للأسف "تحلية البضاعة" وكأننا فى سوق تجارى!!.
وسمعنا بعضهم وهو يقول إنه سيفجر مفاجآت أمام محكمة النقض!! ـ يا حفيظ يارب ـ مع أن محكمة النقض محكمة قانون لا محكمة موضوع لا يتم المرافعة أمامها إلا فى الأخطاء التى وقع فيها الحكم والتى سبق كتابتها فى مذكرة الأسباب، وليس فى إمكان أحد أن يبدى دفاعا مهما كان قدره لم يرد فى مذكرات الأسباب.
وقال آخر: "إن النائب العام اهتم فقط بقراءة مذكرة الأسباب التى كتبتها أنا وحدى!! وكأنه أتى بما لم يأت به الأوائل.. ورحم الله عباقرة القانون الذين كانوا يتحلون بشموخ العلم وعبقرية الإبداع وعلو الهمة مع سمت التواضع وهدوء النفس.
ويا لوجع الدماغ فقد وضعتنا قضية "هشام طلعت مصطفى" فى سوق وكأنه سوق عكاظ، الكل يعرض بضاعته ويسلط الأضواء على ما لديه ويرفع صوته قائلا: أنا الأبرع.. أنا الأبدع.. وكل من عمل فى القضية يعلم كما قلت إن محكمة النقض ستنقض الحكم !!.
نأتى إلى إجابة السؤال.. لماذا ستنقض المحكمة الحكم؟، ولماذا لا يعتبر ما قلته هنا رجما بالغيب واختراقا لحجبه؟.
المسألة بسيطة جدا وهى متعلقة بالمنهج الذى تتبعه محكمة النقض فى قضايا "الإعدام" والذى لم تحد عنه قيد أنملة عبر تاريخها كله، فمما لاشك فيه أن أحكام الإعدام هى أخطر الأحكام التى تصدر من محاكم الجنايات ذلك أنه يترتب عليها إزهاق روح، وقد يظهر بعد تنفيذ الحكم دليلا كان مخفيا أو مستترا، وقد تظهر براءة متهم ـ أى متهم ـ بعد أن يسبق السيف العذل، وقتئذ لن يكون فى الإمكان تدارك الإعدام، أما الحبس فأمره أهون إذ لو ظهرت أدلة البراءة بعد أن يصبح حكم الحبس نهائيا فمن اليسير بالتماس إعادة نظر إطلاق سراح المتهم المحبوس، من أجل هذا تتمهل محكمة النقض فى قضايا الإعدام وتقضى فيها بمنهج مختلف عن أى قضية أخرى، فإذا كان المتهم المقضى عليه بالإعدام قد اعتصم فى المحاكمة بإنكار الاتهام أمام محكمة الجنايات وجحد الأدلة وأنكر قيمتها الثبوتية ـ كما فعل هشام طلعت ومحسن السكرى ـ فإن محكمة النقض تتجه فى هذه الحالة إلى نقض الحكم وإعادة محاكمة المتهم أمام دائرة جنايات أخرى مرتكنة إلى أى سبب من أسباب النقض ـ والأسباب دائما حمّالة أوجه ـ لعل وعسى تكون للدائرة الأخرى نظرة مختلفة فى تقدير الأدلة، وتقدير حجيتها فيكون هذا النقض سببا فى إحياء نفس بعد أن أيقنت موتها.
أما إذا كان المتهم قد اعترف أثناء المحاكمة أمام محكمة الجنايات بارتكابه الجريمة ـ كما حدث فى قضية الطباخ الذى قتل مديرة البنك ـ فحينئذ يكون اتجاه المحكمة هو تأييد الإعدام، اللهم إلا إذا كان حكم محكمة الجنايات الذى قضى بالإعدام قد خالف القانون أو أخطا فى تطبيقه أو شابه البطلان لأى سبب من الأسباب.
انظروا لعشرات أحكام الإعدام التى صدرت فى السنوات الأخيرة ستجدون أن هذا هو منهج محكمة النقض تجاهها، وهذه هى طريقتها التى يعلمها دهاقنة المهنة وأساتذة القانون المتخصصين، ولا أظن أن من ترافع عن هشام يجهل هذا، ولكن أظنه يتجاهل.
أما القول الفصل فهو أنه إذا كان هشام طلعت مصطفى ومعه محسن السكرى قد أنكرا أمام محكمة الجنايات الاتهام جملة وتفصيلا، وكانت مرافعة دفاعهما تقوم على نفى التهمة، ومع ذلك قضت محكمة الجنايات بالإعدام بسبب اطمئنانها لأدلة ما، فإن إنكار هشام وصاحبه سيكون هو السبب ـ النفسى ـ الذى سيجعل محكمة النقض تقضى بنقض الحكم وإعادة المحاكمة مرة أخرى أمام دائرة جنايات أخرى حتى ولو كانت أسباب الإدانة صحيحة.. وفى إعادة المحاكمة إفادة للجميع!!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة