وقع اسم الواد بلية.. ليس غريباً على الأذن المصرية، فالواد بلية أو بالأحرى الشريحة التى يرمز لها هذا المسمى، تقريباً هو الشخصية الأكثر استخداماً درامياً، وكذلك فى الإعلانات تحديداً التى تهدف إلى التوعية.
عمر الشريف.. النجم «الشيك» والأكثر وسامة فى الذاكرة السينمائية، له عتاب على الواد بلية الذى يرى الشريف أنه سرق «نور» الحضارة المصرية، «بلية» حطم بـ«نبلته» مشكاة أثرية أنارت طريق الحضارة الطويل؛ ذلك أنه لم يعرف قيمتها أبداً، فهل هو ذنب بلية؟.
فى إعلانه، يساهم النجم العالمى، فى حملة للحفاظ على التراث المصرى، الإعلان جاء مختلفاً من حيث كتابته وإخراجه وإضاءته. الإعلان جميل، ويلفت النظر إلى أهمية ما نهمله من تراث لن يعود أبداً إذا ضاع، فهو ما منحه لنا الأجداد، بجهد واجتهاد عظيم، سلسلة طويلة من العمل والتميز ورثناها، ويضيعها الواد بلية لأنه لم يعرف قيمتها.
بلية.. هل هو جيل لم يتلق من التعليم والتثقيف ما يؤهله للحفاظ على حضارة مصر؟، أم هو من الأشخاص الذين يتاجرون بها لأنهم يعرفون قيمتها جيداً، لكنها لا تعنى لهم أكثر من حفنة دولارات؟، أم هو رمز لنا نحن الذين لا نعتنى بتراثنا كما يليق به؟.
الصوت الدافئ والمميز للشريف، يتناغم تماماً مع الإضاءة الناعمة للإعلان، والانسياب فى الانتقال بين اللقطات، جو حميمى ينقله لنا الإعلان، لكنه من الرمزية لدرجة تجعل من الصعب على أمثال الواد بلية فهمه!.
من الفئة المستهدفة للإعلان؟، عن نفسى لست ضد الرمزية فيه، ولا أن يتم صناعة إعلان يستهدف التوعية بهذا الشكل، لكن الأهم أن نصل إلى النتيجة المطلوبة، فتوظيف نجومية عمر الشريف خيار صائب، والمستوى الفنى الراقى للإعلان فى محله، لكن يبقى أن الرسالة التى يريد الإعلان إيصالها هى الأهم.
كلما شاهدت الإعلان، أجدنى مضطرة لتذكر إعلانات «وقفة مصرية»، فهذه السلسلة لا تزال مصرة على تقديم نموذج لتنظيم الأسرة، لا يخاطب الفئة المستهدفة أساساً، فزيادة النسل فى مصر تتركز فى المناطق الريفية، التى لن تغير قناعات أهلها أبداً، إعلانات تظهر أبا وأما مع طفلين فقط، مهما بدا على وجوه الجميع من سعادة!، أو الشرائح الاجتماعية الأقل ثقافة التى لن يلفت الإعلان نظرها أساساً، بل غالباً سيصيبها بالاستفزاز، أو الفقراء الذين يؤمنون بقوة، أن «كل عيل معاه رزقه»، وربما يأتى الفرج مع الطفل القادم، وإن لم يحدث؛ فإن كثرة العيال هى زينتهم الوحيدة فى الحياة الدنيا!، أما الفئة التى من الطبيعى أن تستقبل الإعلان بوعى وتفاعل فهى الوحيدة التى لا ينبغى أن يقلق حيالها صناع الإعلان لأنها بطبيعة الحال تمارس تنظيماً قسرياً للأسرة، هى الشريحة التى يعمل فيها الزوجان أو الزوج وحده، لكنهما يحصلان على تعليم جيد ومستوى معيشى محترم للأسرة.
صناعة إعلانات التوعية، شهدت تقدماً كبيراً على المستوى الفنى بكل تأكيد، لكن لا ينبغى أن ننسى أن الفن هنا وسيلة .. وليس غاية.