ياسر أيوب

كاميليا.. لها كل الحق فى اختيار دينها

الخميس، 09 سبتمبر 2010 08:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أستئذنكم قبل الحديث عن كاميليا شحاتة المسيحية وكاميليا شحاتة المسلمة.. أن أرجع إلى الوراء أولا، سنين طويلة قضيتها وأنا لا أصدق أو أقتنع أو أحترم عبارة قصيرة للشاعر والحكيم والفيلسوف الهندى الكبير طاغور قال فيها.. أعطنى ورقة وقلما وأنا أهز لك وجدان العالم.. فأنا بالفعل لا أثق أن كلمة واحدة.. أو حتى ألف كلمة.. ممكن أن تهز وجدان العالم أو حتى تغيره كما قال طاغور نفسه فى عبارة أخرى.. فلسنا نعيش فى عالم يمكن أن تغيره كلمة.. تصلحه أو تفسده كلمة.. تهز وجدانه أو تغير أفكاره كلمة.. والكلام الوحيد الذى غير العالم كان كلام الله سبحانه وتعالى توراة وإنجيلا وقرآنا.. وباستثناء كلمات قادمة من السماء.. فالعالم تغير فى كل مرة بالسلاح والدم والقوة والعنف والاحتياج والغضب والجوع والألم.. ولكننى عدت مؤخرا وقررت أن أراجع نفسى فيما كنت أظنه وأتخيله طيلة السنين الماضية.. واكتشفت أن طاغور كان على حق تماما.. فالكلمة ممكن أن تغير العالم.. أقصد العالم الثالث فقط.. أو قاع العالم الثالث بالتحديد الذى أصبحنا نسكنه وننتمى إليه.. ففى الغرب والشمال والشرق الآسيوى البعيد.. الكلمة هناك تواجهها ألف كلمة.. تخرج الكلمة مسموعة أومقروءة فتستقبلها آذان وعيون واصلة إلى عقول قادرة على التفكير والسؤال والتدقيق والتفتيش والمراجعة.. وبالتالى ليست هناك كلمة قادرة على أن تقلب الدنيا. أما عندنا.. حيث لا عقل ولا فكر ولا تدقيق ولاتحليل ولامراجعة.. فالكلمة الواحدة تستطيع فى لحظة تغيير الناس وعوالمهم وحياتهم.. وقد شهدنا فى بلادنا كلمات كثيرة قلبت حياتنا وهددت استقرارنا وأثارت حروبا هائلة تحت لافتات الغضب والفوضى والتعصب والحماقة والسذاجة أيضا.. والآن.. نعيش موسم كاميليا.. الزوجة المسيحية التى يؤكد مسلمون أنها أسلمت ولكن اختطفتها الكنيسة وأسرتها وهم الآن يريدون تحريرها من أسر الكنيسة.. والكنيسة فى المقابل تؤكد أنها لم تختطف كاميليا وأنها لا تزال مسيحية ولم تعتنق الإسلام أبدا.. وبدأت صحف كثيرة وشاشات أيضا تناقش هذه القضية الخطيرة.. كاميليا مسلمة أم مسيحية.. غائبة أم هاربة أم مخطوفة.. مظاهرات ووقفات احتجاجية وكتابات جارحة وصرخات غاضبة وطبول للحرب والفتنة لا يتوقف صخبها ولا تخفت أصواتها.. مفكرون ومثقفون وكتاب كبار شعروا بالحرج وحساسية القضية فتجنبوا الحديث عنها.. صحفيون وجدوا أن كاميليا باتت هى الطبق الشهى الذى يمكنهم الآن تقديمه للناس بحثا عن مزيد من القراء أو الشهرة أو المكاسب والأضواء.. شبان وفتيات يشعرون طول الوقت بالفراغ والملل فوجدوا فى كاميليا قضيتهم التى كانوا يحتاجونها لينشطوا على مواقع الإنترنت وفى الفيس بوك أو فى تعليقاتهم على الكتاب عبر المواقع الإلكترونية للصحف. وقضيت الأيام القليلة الماضية أراقب وأتابع حتى اقتنعت تماما أن نصرة الإسلام لن تكتمل إلا بتحرير كاميليا من محبسها داخل الكنيسة.. وأن نصرة المسيحية لن تبدأ ولن تتحقق إلا بالدفاع عن كاميليا ضد كل محاولات إغوائها وإغرائها لتعتنق الإسلام.. وكعادتنا دوما فى تسطيح كل الأشياء والأمور والقضايا.. تم اختصار الإسلام والمسيحية معا فى كاميليا.. كأنها أهلى وزمالك وكأن كاميليا مباراة لكرة القدم فيها فائز ومهزوم.. والأسوأ من ذلك كله أن معظم الذين كتبوا وأطالوا.. أو تكلموا فاستفاضوا.. لم يسع أحد منهم لأن يعرف أو يلتقى بكاميليا أو يتأكد إن كانت قد أسلمت أم لا، وهل هى بالفعل حبيسة الكنيسة أم بطلة حكاية غرام أم هى مجرد ضحية جديدة لهواة الكلام والفرجة والصخب والدق على الطبول. وأنا الآن أتمنى ممن سيقرؤنى هنا أن يتفق معى أولا على عدة أمور قبل أن نواصل نقاشنا.. أولها أن كل ما أقوله ليس نصوصا مقدسة لا تقبل التغيير والتعديل والمراجعة.. وأننى لا أمتلك وحدى الحكمة واليقين ولا غيرى أيضا يمتلكهما وحده.. وأننا من الممكن أن نختلف جذريا فى كل نقطة دون حاجة لصراخ أو شتائم أو إهانات متبادلة.. وبعد هذا الاتفاق تعالوا نطرح عديدا من الأسئلة.. هل من حق المسلمين الدعوة الدائمة والمحاولة الدائمة لإقناع أى مسيحى باعتناق الإسلام.. والإجابة بوضوح هى نعم.. حقهم ودورهم بل واجبهم أيضا طالما أنهم يدعون للإسلام ولسبيل الله بالموعظة الحسنة.. فإن لم يقتنع المسيحى، والمسيحية، ممن تمت دعوتهم للإسلام.. فلهم دينهم ولنا ديننا.. فالإسلام مشيئة واقتناع وليس ضغطا وإجبارا.. والسؤال الثانى هو.. إذا كان من حق المسلمين فى هذا البلد أو فى أى بلد دعوة المسيحيين لاعتناق الإسلام.. فهل من حق المسيحيين أيضا الدعوة لتنصير من يطالونهم من المسلمين.. وأيضا دون ضغوط وإجبار.. وأظن أن الإجابة هى نعم.. من حقهم.. وقبل السؤال الثالث.. دعونى أتوقف قليلا أمام ما جرى الأسبوع الماضى فى روما.. حين اجتمع الزعيم الليبى معمر القذافى فى المركز الثقافى الليبى فى العاصمة الإيطالية مع حوالى خمسمائة فتاة إيطالية تقاضت كل منهن أجرا دفعته لها السفارة الليبية من أجل حضور هذا الاجتماع ولقاء الزعيم الليبى.. وتحول الاجتماع الطويل إلى محاولة من القذافى ودعوته لكل هؤلاء الفتيات باعتناق الإسلام.. وأطال القذافى حديثه عن عظمة الإسلام وعن التحول الهائل الذى ستلقاه أى فتاة منهن تشهر إسلامها.. بل كانت هناك إغراءات مالية واجتماعية عرضها القذافى وتحدث عنها.. وبالقطع سيحب كثير من المسلمين هنا فى مصر ذلك وسيصفقون للقذافى وسيحمدون له هذه الخطوة وتلك المحاولة.. ولكن الصحافة الإيطالية لم يكن لها نفس هذا الرأى بالضرورة.. وإنما اتهمت سيلفيو بيرلسكونى، رئيس الحكومة، بالتضحية بالدين والمبادئ والحريات العامة من أجل مكاسب اقتصادية تربط بين إيطاليا وليبيا وأموالها وبترولها. الصحافة هناك تساءلت أيضا هل يمكن أن تقبل دولة عربية أن يزورها رئيس أوروبى ويدعو بعض أهلها علانية لاعتناق المسيحية.. ولماذا يصر المسلمون على ممارسة ما لن يقبلوه أبدا من المسيحيين.. بل إن روكو بوتيجليونى، رئيس اتحاد المسيحيين الديمقراطى الإيطالى المؤيد للفاتيكان، تحدث فى التليفزيون مؤكدا أنه لو ذهب إلى طرابلس ودعا فتيات ليبيا لاعتناق المسيحية.. ما كان ليخرج حيا من طرابلس بل سيبقى فيها مقتولا برصاصها أو مشنوقا فى أحد ميادينها.. وأظن أن الرجل قارب الصواب وقال الحقيقة أيضا.. وأعود الآن إلى القصة الأصلية وإلى تلك الكلمة السحرية.. كاميليا.. وسأناقش احتمالين كل منهما ممكن أن يكون السيناريو الحقيقى للأحداث.. الاحتمال الأول هو أن كاميليا أسلمت بالفعل.. وهنا أؤكد أنه لا الإسلام كسب ولا المسيحية خسرت.. وكاميليا مثل أى إنسان آخر فى العالم من حقها أن تختار دينها وتعتنق ما تشاء من عقائد وأفكار.. وبالتالى ليس من حق الكنيسة أن تغضب أو تثور.. فإن كانت كاميليا كما يظن بعض المسيحيين المتعصبين قد أسلمت مضطرة تحت ضغوط وتهديد.. فهذا ليس إسلاما وبإمكان الكنيسة تهريب كاميليا إلى خارج مصر إلى أى دولة لتتحدث وتحكى الحكاية كلها وتعلن أنها لا تزال على دينها وليست على استعداد لتغييره.. وإن كانت كاميليا لم تعتنق الإسلام.. فهذا ليس عارا على الإسلام أو انتقاصا من قدره ومكانته.. وسؤالى الأهم هو لماذا لا تتكلم ليهدأ الجميع، رغم أننى لست مهتما بأن تتكلم كاميليا أو تصمت لأننى مقتنع بأن للإسلام قضايا أهم وأعمق كثيرا من أن تسلم كاميليا.. وللمسيحية هموم ومواجع فى مصر أكثر إقلاقا وإزعاجا من أن تخرج كاميليا من الكنيسة. أما الاحتمال الثانى فهو ألا يكون الأمر له علاقة بالدين أساسا.. ولست أقصد أى إساءة أو إهانة شخصية لكاميليا التى لا أعرفها ولن أمنح نفسى الحق أبدا فى أى حديث شخصى عنها.. ولكننى تعلمت بالتجربة والمشاهدة والبحث والقراءة والإصغاء أن معظم تلك الحالات والاختفاء والهروب والغياب والصمت لا تكون لها أى علاقة بالدين.. إنما هى قصص غرام وهوى أو خلافات زوجية وعائلية أو هروب من فقر أو اضطهاد.. ولكننا نحن المهووسين بالفوضى والصوت العالى نحيل تلك الحكايات لحروب دينية وفتنة طائفية ومعارك إعلامية عابثة.. فقد نجحنا بالفعل فى أن نختصر الإسلام بكل عذابات المسلمين الموجوعين والفقراء والمظلومين فى مصر الآن إلى مجرد كاميليا.. ونجحنا فى أن نعيد رسم الكنيسة المصرية العريقة فقط على شكل امرأة هاربة وصامتة.. إذن نحن بالفعل نستحق أن نكون فى قاع هذا العالم ويكفينا طاغور وكلمته التى تهز وجداننا وتقلب حياتنا وتغير دنيانا.

اليوم السابع لن يسمح بنشر أى تعليقات تسيئ للمعتقدات الدينية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة