الثورة أكبر من قدرتى على التعبير، وأحسد الزملاء والأصدقاء الذين يجدون كلاما يتناول الحدث الذى أطاح بمبارك ولغة زمنه وآليات التفكير التى استقرت فى الصحف القومية والمعارضة والمستقلة على مدى ثلاثين عاما، والذين افترضوا أن القارئ القديم لم يتغير، زاروا ميدان التحرير، والتقطوا بعض الصور، وكتبوا كلاما أبويا عن شباب 25 يناير، ولم يقتربوا من الموضوع الأصلى، موضوع الروح. الروح التى خلخلت قناعات الذين افترضوا بسبب استثمار رجال أعمال مبارك فى الإعلام، والذين منحهم الأمن مساحات فى الصحف القومية، وتخيلوا أنهم يمثلون نخبة مصر. الحدث الجليل غير المسبوق جعل كاتب هذه السطور يجلس فى فصل دراسى يتعلم كل شىء من أوله، من أين جاء هذا الحب وهذا الإصرار؟، من أين جاءت هذه الأصوات الشجية؟، وأين خبأ المصريون مشاعرهم وثورتهم العظيمة طوال هذه السنوات؟، لم أشعر بالأمن والسلام والطمأنينة والتسامح إلا وأنا داخل الميدان، لم تتوقف الدموع وأنا أتأمل وجوه الذين اتفقوا على النصر، ما شاهدته طوال أيام الثورة أكبر من قدرتى على الحكى واللت والعجن، ولأن الحيل القديمة لكتابة مقال لن تجدى بعد الآن.
2
الأبطال الحقيقيون ليسوا نجوما مثل عمرو أديب وأيمن نور ومنى الشاذلى وحمدين صباحى وما إلى ذلك، ولكنهم أطاحوا بمبارك، وفى طريقهم إلى الإطاحة بمعارضته الرسمية التى اكتشفت فشلها، ولم تعترف بعد بذلك. الأبطال الحقيقيون جاءوا من دهاليز الحياة، ليجعلوا حياتنا ممكنة، وكل ما علينا أن نتدرب على الحرية التى ناضلوا واستشهدوا من أجلها، ولكى ترفرف الأعلام بغزارة فى الميادين.
3
بمجرد تسلم الجيش الوطنى العظيم إدارة شؤون البلاد، ووسط الأفراح الصادقة الحقيقية والزغاريد، ظهرت أصوات غريبة، تحذر من العسكر، وتطالب بمواصلة الاحتجاجات، هذه الأصوات لا تعبر عن الروح التى انتصرت، ولا تريد الخير للبلاد، ولم تقدّر الدور الذى لعبه هذا الجيش المتحضر وانحيازه للثورة والثوار، وأنا وطوال عمرى أقول هذا وأثق فيه، وأثق فى تعهده تسليم السلطة عن طريق الديمقراطية، وعلينا أن نساعده جميعا، لكى نعبر بمصر إلى مصر.. التى نحلم بها.