كان صباح الثانى عشر من فبراير مختلفاً عن كل صباح.. نور شمسه غير، ونسمات الهواء التى تتطاير فى الجو غير، والابتسامات التى تعلو الوجوه غير، وزحمة المرور الصباحية خانقة ولكنها لا تدفعك للغضب، والناس فى الشوارع لا تتفادى النظر فى ملامح بعضها، بل كل واحد فينا يبحث عن ابتسامة على وجه الآخر لكى يقول له مبروك.. ألف مبروك.
إن كنت من رواد ميدان التحرير طيلة أيام الثورة، فحتماً شاهدت تلك السيدة العجوز التى تجلس أمام محل هارديز ترتدى جلباباً أسود اللون تمسك فى يدها اليمنى صورة لابنها الشهيد.
التاريخ 3 فبراير.. المكان المركز القومى لنقل الدم.. إنه نداء الواجب الذى تدافع مئات الشباب لتلبيته فى إنقاذ مصابى الثورة الذين كانوا بحاجة ماسة لضخ دماء العزيمة والإصرار والاستمرار فى النضال من أجل مصلحة وطن جريح يتألم يئن من جروح الاستبداد والفساد الذى جاوز المدى.
أصبح ميدان التحرير فى قلب القاهرة أشهر مكان فى العالم على مدار ثمانية عشر يوما.. هى عمر ثورة المصريين ضد نظام حسنى مبارك الفاسد.<br>
الثورة أكبر من قدرتى على التعبير، وأحسد الزملاء والأصدقاء الذين يجدون كلاما يتناول الحدث الذى أطاح بمبارك ولغة زمنه وآليات التفكير التى استقرت فى الصحف القومية والمعارضة والمستقلة على مدى ثلاثين عاما، والذين افترضوا أن القارئ القديم لم يتغير.
من مشاهد الثورة وتصميم المشاركين فيها على التكاتف دون أن يعرف أى منهم الآخر معرفة شخصية، ودون أن ينتظر شيئاً فى المقابل، هو مشهد كان قد رواه لى ابن خالى محمد مبارك نبراوى، حول ما تعرض له فى «جمعة الغضب» من اعتداء عليه بالضرب.
كيف تتحول من صحفى مهمته و«أكل عيشه» نقل الصورة، إلى فاعل يشارك فى رسم وتشكيل هذه الصورة؟، تحوُّل فرضته ساعة تاريخية فى حياتى وحياة الكثيرين من زملائى وأبناء جيلى، فبينما أجلس أنا عصراً أمام جهاز الكمبيوتر فى مقر الجريدة يوم الثلاثاء 25 يناير، وأتابع الأخبار عن طريق الزملاء فى «اليوم السابع» وعبر رسائل الـ«فيس بوك».
ماذا بعد؟ لا أحد يملك إجابة, أى إجابة عن هذا السؤال الصغير، مرة أخرى لا أحد يملك إجابة، وهنا تختلط مشاعر الأمل بالخوف، وتطغى مظاهر الانتظار على الحقيقة .<br>
كان يقف بجوارى، فى العشرين من عمره تقريباً، رن هاتفه، كان والده هو الذى يحادثه، حسبما فهمته من الحوار «يا بابا متقلقش، أنا بعيد عن المظاهرات، أنا وصحابى قاعدين على القهوة، أيوه الدنيا زحمة، والله ما تقلق، متخافش، مع السلامة»، أدركت أنه أحد المتهمين بأنهم «مندسون» فى القلة.<br>
3 سنوات ونصف السنة مرت على التحاقى بـ«اليوم السابع».. لم أكن أعلم خلالها إلا القليل عن نظرة زملائى فى العمل للنظام الحاكم فى مصر..حتى أتت أيام «الغضب» لتكشف لى أن صحيفتنا مليئة بـ«الثوار» و«مريدى التغيير».. متظاهرون فى لباس صحفيين.. يؤدون بإتقان مهامهم التحريرية ثم يلتحمون وسط التحركات الاحتجاجية.
هذه قناعتى.. الإسكندرية التى أراد الله لها خيراً وأنعم عليها أخيراً بنعمة الاستقرار.<br> ساحة القائد إبراهيم التى تحولت من ساحة تعميق للطائفية إلى ساحة لترسيخ معنى الوطنية فى أقل من شهر.<br>
لم يسعدنى الحظ أن أشارك فى هذه الثورة من يومها الأول فى 25 يناير لظروف خارجة عن إرادتى.. وظللت أتلقى أعمال تلك الثورة وتحركاتها من خلال الإعلام المرئى سواء الحكومى أو الخارجى.
«راحت السَكرَة وجت الفكرة» هكذا يقولون فى صعيد مصر، وهو أوان الفكرة بكل تأكيد.<br>
لم أكن أعلم أن دعواتى المستمرة منذ أكثر من 60 يوما بأن يتم تغيير النظام سيستجاب لها بهذه السرعة، فمنذ شهرين وأنا أجلس مع والدتى نتناقش فى أمور كثيرة، قلت لها« انتى عيشتى أيام عبدالناصر والسادات ومبارك، نفسى ييجى يوم وأشوف حد تانى بيحكم البلد دى غير الراجل ده.
الكثيرون يعرفون الشباب الذين سطروا صفحة جديدة فى تاريخ مصر، ويعرفون أن هؤلاء كتبوا بدمائهم حروفاً من نور سيرونها فى الجنة، ربما رأيت أن الحديث عن أى ملمح من ملامح ثورة شباب 25 يناير لابد أن يبدأ بالحديث عمن ضحوا بدمائهم وأرواحهم من أجل أن يحيا هذا الشعب حياة كريمة لم يحيها المصريون عبر حياتهم التى عاشوها.
تدور الأيام دورتها وليست الليلة أشبه بالبارحة، 25 يناير 2011 حلقة من حلقات انتفاضات شباب مصر الحقيقية، حلقة مجيدة، من الهبة الشعبية التى بدأت سنة 1919 وتبعتها حلقة حركة الطلبة 1968 وتبعتها حلقة 18 و19 يناير 1977 وها هى هبة 25 يناير2011 المباركة التى اكتسبت كل الخبرات العظيمة فاختلفت عن كل ما سبقها من هبات فقد كانت المظاهرات فى 1919 و1968 و1977 هبات شعبية مجيدة للانتقام من حكومات ظالمة.
أعلنت شركة "دايلمر" الألمانية المصنعة للسيارة "المرسيدس بنز" عن ارتفاع معدلات أرباحها بنسبة 24% فى الربع الأخير من 2010، حيث بلغ الناتج الإجمالى حوالى 1.14 مليار يورو (حوالى 1.55 مليار دولار)، مقارنة بحجم خسارة 352 مليون يورو فى العام الماضى، بينما وصل الدخل الإجمالى إلى 26.4 مليار يورو.
الزمان : صلاة ظهر الجمعة 28 يناير <br> المكان: مسجد مصطفى محمود<br> كنت أنتظر خطبة الجمعة بترقب شديد لا يخلو من حقد مسبق على شيوخ السلطان، توقعت أن يأمرنا بالعودة للمنازل وأن نجنح للسلم وألا نخرج على الحاكم حتى وإن كان ظالما، وأن نعفو عند المقدرة، وأن نرحم من فى الأرض ليرحمنا فى السماء.
حالة من الرعب والخوف والهلع تعجز الكلمات عن وصفها تلك التى شاهدتها وتعرضت لها بحكم مهنتى وعملى الصحفى ونظرا لكونى من المتابعين لمظاهرات التحرير فقد شاهدت الأربعاء الدامى من صباح الأربعاء حتى منتصف فجر الخميس.<br>
حينما يقول لك أحدهم أن «فى الليلة الظلماء يفتقد البدر» فلا تعتقد أنه مجرد شعر تتناقله الألسن، ففى ليلة حالكة من الليالى الكثيرة المظلمة التى مضى عهدها، كان ثمة قمر ينير منطقة وسط البلد فى القاهرة، قمر صغير لا يزيد طوله عن 120 سنتيمترا.
كنا نفتش عن الحرية فى ميدان التحرير، ونهتف «أنا مندس أنا مندس.. أنا عايز كنتاكى وبس»، نعرف أن الشمس تشرق من هنا، قلت لصديقى فارس خضر «رئيس تحرير مجلة الشعر التابعة لـ«الإذاعة والتليفزيون»، بعد أن قررنا المبيت أثناء واقعة «الجمل».
هكذا بدأت الثورة، كأول ثورة إلكترونية فى العالم، تحركت من الفيس بوك وتويتر بطبيعة مصرية خالصة، بدأت بالنكتة والإفيه، واستمرت وانتهت بهما، حتى هتف الجميع بعد سقوط مبارك: «حلوة الثورة حلوة.. وحسنى مخدش غلوة»، «مش هنلك مش هنلك.. اللزق بتاعه طلع بيفك».<br>
لم تكن صلاة يوم الجمعة 11 فبراير كأى جمعة أخرى، فقد أداها المتظاهرون أمام «قصر العروبة» بمصر الجديدة ما بين أسوار الأسلاك الشائكة وفوهات المدافع المصوبة إليهم وبنادق القناصة الرابضين فوق سطح القصر، على الرغم من ذلك لم يتسرب الخوف إلى قلوب المتظاهرين للحظة واحدة.
لو أن أجمل أحلامى تجلت على شاشة عرض أجمل سينمات العالم فلن تمنحنى تلك المشاهد التى عشتها منذ الثلاثاء 25 يناير، وحتى صباح الثانى عشر من فبراير.<br>
التوقيت الساعة الثانية ظهرا، اليوم السبت الموافق 28 يناير، الحدث 12 شابا على موعد مع القدر، الذى قضى بمنحهم شرف الشهادة، على يد فراعين بجهاز الشرطة.
تحية عسكرية، ولحظة صمت من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، كانت بداية انطلاق تقبل واجب العزاء فى شهداء ثورة الغضب الذين ظلت أرواحهم ترفرف حول ميدان التحرير طوال الـ18 يوما الماضية، ولم تهدأ إلا بإعلان النائب السابق عمر سليمان للرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك تنحيهما معا عن السلطة والحياة السياسية.
أكد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أن لحظة انتصار الشباب وإسقاطه لنظام دام 30 عاما لحظة يصعب على أى شخص استيعابها، قائلا: «إنها تحتاج لوقت لاستيعابها وإدراك معالمها».<br>
18يوما فقط نجح فيها المصريون الذين اختاروا ميدان التحرير مكانا لثورتهم فى الإطاحة برئيس جثم على قلوبهم 30 عاماً، 18 يوما تعددت فيها الشعارات والهتافات تحت عنوان واحد عريض: «الشعب يريد إسقاط النظام».<br>
هذه لحظة الفرح، لحظة الامتلاء بنشوة الانتصار، لحظة المصالحة بعد الخصام والبداية من جديد، كلنا نفتح صفحة جديدة لبلد نرجو له غدا ناصعا على قدر أحلامنا له، وعلى قدر حرماننا من المشاركة والإسهام فى إعلاء مجده، لا أصدق ما حدث، لا أصدق أن الحلم تحقق واستطاعت الأيادى العُزَّل أن تنتصر على المصفحات والمولوتوف والرصاص الحى.
«العيال كبرت» وأصبحوا شبابا، والشباب نضجوا وصنعوا ثورة، ثورة فى كل شوارع مصر، ثورة لم يقدر أحد على ترويضها ولا إسكاتها ولا تحجيمها، كانت هادرة كالشلال، وعفوية كالضحكة.
حالة من الارتباك والتخبط تسيطر على إنتاج المسلسلات التليفزيونية حالياً، فهناك بعض النجوم قرروا استئناف تصوير أعمالهم لكنهم سيضطرون إلى إعادة ترتيب الجدول الزمنى للتصوير حتى يستطيعوا تعويض توقف دام حوالى 20 يوما، وذلك فى الوقت الذى مازال بعض المنتجين لم يحددوا موعداً بعد لاستئناف تصوير أعمالهم.
يمكننا القول إن ماسبيرو ذلك المبنى السيادى هو النموذج المصغر للدولة المصرية التى ضرب الفساد بأوتاده فيها، ففى هذا المبنى الحيوى عاث الفساد عهودا طويلة، وفى السنوات الخمس الأخيرة من نهاية 2004 حتى نهاية 2010 وهى فترة تولى أنس الفقى وزير الإعلام.
تغير كبير سيشهده الوسط السينمائى فى الفترة المقبلة سواء من حيث نوعية الإنتاج أو كم الأفلام، وأيضا فى شكل المشهد السينمائى بشكل عام، فهناك تفاؤل يسود الوسط السينمائى وتوقعات بمستقبل أفضل لها، خصوصا ممن كانوا مختلفين مع النظام السابق.
شهدت ثورة 25 يناير تأييد بعض الفنانين، ومعارضة البعض الآخر، وفى الوقت نفسه فضلت مجموعة ثالثة من الفنانين الصمت المطبق وعدم الظهور على أى وسيلة إعلامية للحديث عن رأيهم حيال ما يحدث فى مصر.
ما حدث فى الفترة الأخيرة هو حلم كبير بكل المقاييس، وتطور سريع للمشهد السياسى تجاوز خيالنا جميعا، بعد أن أثبت الشعب المصرى أن انتفاضته فى 25 يناير كانت ثورة حقيقية نجحت فى تحقيق المستحيل متمثلا فى إعلان الرئيس مبارك تنحيه عن منصبه كرئيس للجمهورية، لتثبت الثورة أنها ثورة الشعب أجمع بكامل فئاته وأطيافه.
«أيها المواطنون.. فى هذه الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد قرر الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد والله الموفق المستعان».
كنا نحلم بأن يكون لمصر رئيس سابق بدلا من أن تظل طوال الوقت أرملة لرجال يركبون فوق كرسى حكمها ولا يرحلون إلا حينما يقبض عزرائيل أرواحهم، كنا نحلم برئيس سابق فرزقنا الله ورزقتنا إرادتنا التى انتفضت من أسفل غبار سنوات القمع والقهر رئيسا مخلوعا وسابقا بالتبعية.<br>
المكاسب من ثورة 25 يناير من وجهة نظرى كثيرة.. بالطبع أولها أن مصر أعادت اكتشاف نفسها بعدما خرجت من قمقم القهر والإحباط والتوهان، ليعلن شبابها أن المحروسة مازالت قادرة.. مازالت شابة تستطيع فى الوقت الذى تختاره، أن تغير أو تزيح وتزيل الظالم والديكتاتور والطاغية.. نعم اكتشفنا شبابا يملك إرادة فولاذية.
لن يتوقف مؤشر التاريخ عند 25 يناير، ليقول للأجيال القادمة فى مثل هذا اليوم عام 2011 أسقط الشعب المصرى الرئيس حسنى مبارك من سدة الحكم فقط، بل سيذكر أيضاً أنه فى مثل هذا اليوم انهارت للأبد تميمة هذا النظام.
بدأت الثورة بمطالب إنسانية وانتهت بهزيمة نظام تجمد على كراسيه.. وزوّر إرادة الأمة فى الانتخابات.. واستعان بأنصاف الهواة فى السياسة أمثال أحمد عز وجمال مبارك ليديروا مصر كما تدار العزب.<br>