تحولت تكهنات التعديل الوزارى إلى نكتة كبيرة ومزاد للمرشحين والمشتاقين وكل من له مرشح يطالب به، فتح المزاد، لم يعد مهما أن يكون المرشح مناسبا أو خبيرا أو سياسيا، المهم أن يقدم شهادة من «عشرين فضائية» بأنه مستعد للإفتاء فى أى قضية. ولهذا تنوعت الترشيحات للشخص الواحد حسب آخر فضائية تحدث فيها، فقد رأينا أسماء مثل عمرو حمزاوى أو صفوت حجازى أو جورج إسحاق. وغيرهم وكان القاسم المشترك هو كثرة الظهور الفضائى. رشح البعض الأستاذ جورج إسحاق وزيرا للزراعة، والبعض رشحه للصحة أو للتعليم والبعض طرحه نائبا لرئيس الوزراء. ورأينا من يرشحه وزيرا للرى كان عضوا فى وفد لمنابع النيل، أو وزيرا للاتصالات عنده «خطين تليفون» أو وزيرا للصحة عنده أنفلونزا أو للزراعة لأن عنده جنينة.
رأينا قوائم ترشيحات للائتلافات، وأخرى للأحزاب، وكلها على طريقة «اللى نعرفه». ولكل ائتلاف أسماء مفضلة من الكائنات الفضائية، التى شاركت منذ البداية ولاتزال فى إرباك الناس، والحديث باسم الثورة تفتى فى كل القضايا بـ«يجب وينبغى ويتعين». دون أن تدفع نحو حوار يراعى المستقبل، ويعترف بصعوبة أن يحكم مصر فرد أو أفراد.
لم تفرق الترشيحات بين محلل سياسى أو متحدث إعلامى، واختفى المختصون من الصورة، ولم نلمح ولو على سبيل الخطأ اسم عالم أو اسم خبير، احتل مكانهم «الشاخطون» والمتحذلقون والمشتاقون، الذين حشروا أسماءهم، ليظلوا فى الصورة حتى لو لم يكونوا من المختصين.
ظاهرة اتسعت خلال الأيام الماضية بين عدد ممن أصابتهم أنفلونزا الكلام. ولم يفرقوا بين الكلام وإدارة عملية وزارية وسياسية. اكتفى البعض بطلب وزراء تكنوقراط، وآخرين طلبوا سياسيين، واختصر الأمر فى الفضائيين.
كل هذا ولايزال النظام كما هو، وطريقة اتخاذ القرار على قديمه، ولهذا لم ير أحد جديدا لدى الوزراء فى الحكومة الحالية، ولا يتوقع أن يجدوا تغييرا فى الحكومة المقبلة، حتى لو ضمت كل الكائنات الفضائية.
ومع كامل الاحترام للسادة المرشحين، فإن أغلبهم طوال شهور عجزوا عن إنتاج حوار حقيقى حول المستقبل، صدروا خلافاتهم وصراعاتهم إلى الناس، وأصابوهم بالحيرة، وفرضوا قضايا لم تكن هى الأهم. وخلافات ليس وقتها، بعضهم رشح عصام شرف لرئاسة الحكومة وانقلب عليه بعد أن لم يقربه شرف. ورئيس الوزراء نفسه لم يسع لتغيير السياسات والطرق التى تحكم النظام، وبعد شهور بدا رئيسا لحكومة عاجزة، تفتقد المبادرة. وتزدحم بالمستشارين والمتسلقين، الذين يتحكمون فى الترشيحات والسياسات. ولاتزال عملية اختيار الوزراء على قديمه، تريد إرضاء الأطراف الأعلى صوتا، وليس تشكيل حكومة متجانسة تمتلك شجاعة اتخاذ القرار استنادا لمعلومات ومعطيات وليس مراعاة للخواطر. حكومة تفعل ما تراه واجبا، وليس مايريده البعض.
مولد التعديل الوزارى الحالى لا ينبئ بجديد، ويتوقع أن يتكرر التصادم والرفض، لأننا نبحث عن وزراء يتكلمون ولا نفكر فى خبراء يفعلون.