د.عثمان فكرى

دستور بلا دولة

الإثنين، 17 ديسمبر 2012 01:01 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل لا يزال يشغلك الدستور، وما يجرى حوله من جدل وصراع بين نعم ولا ؟ واقع الحال أنا لم يعد يهمنى فى شىء هذا الذى يسمونه مسودة أو مشروع دستور لمصر .. لم تعد تنتابنى نفس اللهفة المعهودة على معرفة النتائج أولا بأول ..ولا معرفة الانتهاكات التى حدثت وتأثيرها على النتيجة النهائية.. لم أعد أشعر بنفس الرغبة فى التنقل بين القنوات الفضائية ومواقع الانترنت لمتابعة عمليات الفرز فى اللجان الفرعية على الهواء مباشرة.. أصبحت لا أرى فارقا بين أن تأتى النتيجة بنعم أو بـ لا.. الأمر سيان .. دستور لدولة لم يعد لها وجود على أرض الواقع.. دولة كان اسمها مصر.
لم تعد دولة تلك التى تسمح لقطيع من البشر المسلحين أن يطوفوا الشوارع فى وضح النهار يرهبون ويرعبون ويهجمون ويحرقون مقرات الاحزاب والصحف وكل من يقف فى طريقهم ولا يسير على هواهم، دون أن يقبض على أحد فيهم.
لم تعد دولة تلك التى يكتفى جهازها الشرطى بجمع المعلومات عن القتلة، وإبلاغها للضحايا، وكأنه يقول لهم: انتظروا موتكم بعد عدة ساعات.. يعنى يا دوب تلحقوا تودعوا أهلكم، وتنطقوا الشهادتين، واللى نفسه فى حاجة يعملها بسرعة .. قبل قضاه ما ييجى.
لم تعد دولة تلك التى تسمح للعشرات بحصار المحكمة الدستورية العليا منذ عدة أسابيع.. يوم يسمح لقضاتها بالدخول، وأيام يمنعون بالهتافات وغلق أبواب المحكمة، دون أن تتمكن الشرطة من تفريقهم، بحجة أن الاعتصام والتظاهر حق مكفول للجميع، وأن القوى المدنية هى أول من طالبت بذلك، ولا يحق لها الآن أن تتضرر من أن يمارس مناصرو التيار الإسلامى نفس هذه الحقوق !!
لم تعد دولة تلك التى يهاجم فيها مجهولون مرات عدة محطة مترو السادات، بحجة تنفيذهم للعصيان المدنى احتجاجا على الإعلان الدستورى دون أن تتمكن أجهزة الأمن من إلقاء القبض عليهم.
لم تعد دولة تلك التى يصرح رئيسها بما يخالف نتائج تحقيقات النيابة العامة فى أحداث قصر الاتحادية، وحينما تصر النيابة على رأيها، يمارس النائب العام الجديد دوره فى عقاب وكلائه، وإبعادهم إلى المناطق النائية، قبل أن يرجع فى قراره تحت ضغط رجال النيابة الشرفاء.
لم تعد دولة تلك التى تسمح بمحاصرة استوديوهات البث الفضائى من قبل من يسمون أنفسهم حازمون، يقررون من يدخل، ومن لا يدخل، يضربون كل من يخالفهم فى الرأى، يحطمون السيارات، ويسرقون المياه، ويتعدون على أراضى الدولة ببناء مراحيض خاصة، دون أن يتعرض لهم أحد.
لم تعد دولة تلك التى تحدث فيها كل هذه الكوارث، دون أن يخرج رئيسها أو من ينوبه على الناس لكى يقول لهم ماذا يحدث، وكيف يمكن مواجهته ؟
بات البعض مؤمنا بفكرة أن بعضا مما يحدث يتم بعلم أو بصمت الدولة، وهو ما يمكن أن يقودنا نحو الهاوية حينما يسمح لشريعة الغاب أن تسود، وأن كل من يمكنه جمع العشرات من أنصاره فعل ما يريد فى أى وقت يشاء.. لا تنهار الدول حين تكثر الجريمة وترتفع معدلاتها بأى صورة كانت، ولكنها تنهار حينما يضيع القانون، ولا يعاقب كل مخطىء على ما فعله حتى لو كان رئيس الجمهورية.
سيدى القارئ إن كنت تشغل بالك كثيرا بأمر الاستفتاء الذى يجرى، فمن الأولى أن تنظر إلى ما هو أبعد من ذلك.. إلى الدولة نفسها التى يجرى الاستفتاء على دستورها.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة