بينما تغيب السياسة، يحضر الكثير من التنظيمات والجماعات وتتوالد، وكل منها تضع نفسها فى الصدارة وتريد أن تنتزع جزءا من سلطة الدولة.
غياب السياسة هو إسقاط القدرة على التحاور أو النقد والخلاف، ومحاولة الوصول إلى نقطة التقاء، يمكن الحوار حولها. لكن ما جرى ويجرى فى السياسة والدستور والتعامل بين البرلمان والحكومة والأغلبية والأقلية، ومظاهرات الألتراس، واستعراضات بعض أنصار مرشحى الرئاسة، يكشف عن أن أغلب التيارات السياسية بالرغم من أنها تعترض شكلا على الانفلات الأمنى، وتتحدث عن القانون، فإنها تساهم فيه بالسعى لفرض وجهة نظرها، وإضعاف سلطة الدولة، وانتزاع حقوق وسلطات ليست لها.
لقد وصلت العلاقة بين الأغلبية والأقلية فى البرلمان إلى طريق مسدود، وغاب الحوار ليحل مكانه الصراع، بلا أهداف أو أدوات واضحة. وانتقل الأمر عند تشكيل لجنة الدستور، حيث يغيب المنطق، وتتعامل الأغلبية من الإخوان والسلفيين بفردية، وفى المقابل تعجز الأقلية عن طرح نقاط يمكن التحاور حولها، لينتقل الأمر إلى خارج البرلمان بما يعنى اعترافا بالعجز.
هذا الانفلات يتبدى أيضا فى غياب أى معايير للحوار. الحوار بين أغلبية البرلمان وأقليته مقطوع، والحوار بين التيارات السياسية وبعضها مقطوع، لدينا أكثر من يسار، وأكثر من يمين، وأكثر من ليبراليين. كلهم يتحدثون عن الديمقراطية دون أن يقدموا خطوة نحوها. أو يطرحوا مبادرات للتقارب. وهو أمر يرجع إلى استمرار أعراض التسلط داخل كل فصيل، حيث يرفض كل فصيل الاعتراف بالآخر، الأغلبية ترفض الأقلية، والأقلية ترفض الأغلبية. ويتمسك كل طرف برأيه، ويراه الصواب. وكأننا أمام مباراة فى الكرة، وكل فريق له «ألتراس» يؤيده ظالما أو مظلوما.
وحتى الألتراس قادم من عالم التعصب الكروى، تم تحويله هو الآخر إلى جزء من معادلة الانتقام، والاعتراض، والسياسة، بالرغم من الاختلاف بين الكرة والسياسة. الألتراس قادم من عالم الانحيازات الكروية المطلقة، ينحاز لفريقه أيا كانت النتائج، لايغير انحيازه وانتماءه، وهو أمر طبيعى فى الكرة، لكنه لايصلح للسياسة التى تدخل فيما هو نسبى. وأصبح بعض السياسيين يخفون ضعفهم فى تجمعات الألتراس، ويسعى بعضهم لاستغلال تجمعهم وتظاهراتهم. لتحقيق أغراض سياسية. ويتمحك بعض طلاب الكاميرات فى اعتصامهم.
ألتراس الأهلى يواصل تظاهره من أجل تحقيق القصاص لزملاء قتلوا فى بورسعيد، وبعضهم يرفع رايات الانتقام فى حال عدم كفاية القانون، وهو أمر يتجاهل القانون، مع أنه يعيب ضعفه فى تحقيق العدالة.
فكرة الانتقام التى تتردد كثيرا تسقط القانون، وتعنى عدم الاعتراف به، وتعود إلى فكرة الثأر. ولا أحد يعرف نهاية للاعتصام القائم الذى تحول إلى مهرجان ومزار. وربما لاتكون المشكلة فى ألتراس الكرة، بقدر ما هى فى ألتراس السياسة، الذين أصبحنا نراهم فى ميليشيات واستعراضات تغذى الانفلات، وتنتزع لنفسها سلطات مزيفة.. تنتزعها من جدران سلطة الدولة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة