لعظيم خلق الإنسان فى الكون، أن خلق للإنسان عينان، وضعهما فى مقدمة الوجه، وكل عين على حدة منظومة متكاملة تسمح بالرؤية بوضوح شديد بدون الاعتماد على العين الأخرى، وتظهر الحكمة من ذلك فى كون النظر بالعينين استخدامهما سويا للإحساس بالبعد الثالث، وتقدير المسافات والعمق بدقة عالية.
ويعتبر ذلك أسمى درجات النظر وتبدأ مرحلة استخدام العينين معا فى تناسق وتواز تام، بعد الثلاثة أشهر الأولى من الولادة، والتى تعتبر مرحلة مهمة فى تكوين النظر ويشترط فيها أن تكون أنسجة كل عين سليمة وأوساط العين شفافة، بدون عتامات ويمكن فى هذه الفترة أن يحدث حول أو عدم تنسيق فى حركة العينين سويا، حيث يقوم المخ فى الثلاثة أشهر الأولى بالعمل على تنسيق حركة العينين فى كل الاتجاهات معا.
وتعتمد حركة العينين على وجود مجموعة من العضلات حول العين يبلغ عددها 6 عضلات فى كل عين يتحكم فيها المخ عن طريق حزمة من الأعصاب المركزية والتى تعمل بتناسق تام للحفاظ على حركة العينين متوازيتين فإذا ما حدث خلل فى هذه المنظومة يظهر انحراف فى عين واحدة أو فى العينين بما يعرف باسم الحول.
وينقسم الحول عموما إلى عدة أنواع منها الحول الكاذب وهى حالة تكون فيها العينان متوازيتين ولكن هناك شعورا عاما بوجود حول عند النظر إلى وجه الشخص ويكثر ذلك فى الأطفال فى العام الأول من الولادة لعدم اكتمال نمو عظمة الأنف القريبة من الحاجب، مما يؤدى إلى وجود زوائد جلدية عند الزوايا الداخلية للعين تضيق فتحة العين وتؤدى إلى شعور كاذب بالحول ويحدث ذلك أيضا فى الدرجات العالية من طول أو قصر النظر ويمكن تشخيص الحول الكاذب بسهولة عن طريق تسليط ضوء بطارية على العينين لمسافة 40 سم، حيث نلاحظ انعكاس الضوء على سطح العين بمركز الحدقة على كل عين مما يدل على عدم وجود حول بالعينين.
وهذه الحالة لا تحتاج إلى علاج وفى حالة أخطاء الانكسار يستوجب علاجها بالنظارة الطبية أو العدسات اللاصقة أو غيرها.
أما النوع الآخر من الحول فهو ما يعرف باسم الحول الخفى حيث يكون الشخص طبيعيا تماما فى معظم الأوقات ويظهر حول مفاجئ، يلاحظه من حوله بعد مجهود قراءة أو تركيز شديد بالعينين.
وعند تنبيه الشخص بوجود الحول ينتبه المخ فيقوم بضبط العينين فى وضعهما الطبيعى مرة أخر، وقد يعكس هذا الحول احتياج الشخص لارتداء نظارة طبية وننصح عموما بعدم استمرار إجهاد العين لفترات طويلة متصلة، كما يوجد بعض التمرينات لتنمية قدرة المخ على الاستمرار فى المحافظة على توافق حركة العينين بشكل طبيعى.
أما النوع الثالث من الحول وهو الأكثر شيوعا فيعرف باسم الحول الظاهرى أو الحقيقى فيظهر عادة بعد الثلاثة أشهر الأولى من ولادة الطفل حيث تعتبر هذه الفترة حيوية فى استقبال الصورة فى كل عين وتجميعها فى مراكز الإبصار عند الطفل فإذا ما حدث أى مشكلة فى استقبال الصورة مثل عتامات خلقية فى العين أو عتامات القرنية أو وجود مياه بيضاء أو حدوث أمراض بالشبكية أو عيوب خلقية بالعصب البصرى، والشبكية أو أخطاء الانكسار كطول النظر أو قصر النظر الشديد حيث يؤدى ذلك إلى حدوث حول حقيقى دائم، تتجه فيه العين ناحية الأنف تعبيرا عن عدم وضوح الرؤية لهذه العين ويتم معرفة السبب الحقيقى عند فحص الطفل حيث يستوجب الفحص الشامل للعين وفحص قاع العين وقياس ضغط العين، وفحص الشبكية لمعرفة الأسباب المرضية للحول ويتم علاجها حسب السبب، وفى حالات طول أو قصر النظر الشديد، يتم عمل نظارة طبية بمواصفات خاصة بالطفل بحيث يكون إطار النظارة كبيرا حتى لا ينظر الطفل من فوق النظارة أو أسفلها وقد تعالج النظارة الحول تماما، وينتهى بذلك أعراض الحول ويتم متابعة نمو عين الطفل وتغيير النظارة كل ثلاثة إلى أربعة أشهر إلى أن يتم الاستغناء عنها تماما عند بلوغ سن 11 أو12 عاما، بحيث تمثل النظارة فى حالات طول النظر الشديد العلاج الوحيد للحول، وقد يحتاج فى بعض الحالات الطفل إلى إجراء جراحة برغم لبس النظارة الطبية لعلاج الجزء المتبقى من الحول إذا وجد مع استمراره فى لبس النظارة والمتابعة ولا يوجد أى أدوية يمكن أن تعالج الحول ومن المهم الإشارة إلى أن حول العين فى اتجاه دائم يعكس ضعفا فى الإبصار وكسلا بالعين حيث يلغى المخ استقبال الصورة المهزوزة من العين التى تعانى من الحول وهو ما يعرف باسم الكسل الوظيفى فيطلب الطبيب المعالج فى هذه الحالة من الأم تغطية العين السليمة كاملة، عددا من الساعات يوميا لمدد مختلفة لإجبار المخ على استقبال الصورة من العين الضعيفة وتحسين النظر بها، وينتج عن ذلك ما يعرف باسم الحول التبادلى حيث يستخدم الطفل عينيه فى النظر بحيث لا يعرف الأهل أى عين مصابة بالحول مما يعكس بأن قوة الإبصار بالعينين متقاربة وينتج عن الجراحة فى هذه الحالة تحسن فى شكل العين مع الاحتفاظ بالنظر فى حالة وظيفية جيدة بالعينين أيضا.
وبالنسبة لاستخدام الجراحة فى علاج الحول فإنه يجب على الأم عدم تأخير قرار الجراحة، إذا ما اتخده الطبيب المعالج، حيث من الممكن إجراء الجراحة بمخدر عام مناسب للأطفال ويتعامل الطبيب المعالج مع عضلات حول العين دون المساس بالعين من الداخل حيث يتم تقوية أو إضعاف العضلات حسب زاوية الحول واتجاهه وبعد إجراء الجراحة، حيث يتم متابعة الحالة على المدى الطويل للتعامل مع أى مستجدات أخرى تحدث أثناء نمو الطفل وتداركها فى مرحلة مبكرة.
وننصح الأم ببذل كافة المحاولات للتغلب على كسل العين الوظيفى بغلق العين السليمة، حسب توجيهات الطبيب المعالج حيث ينجح ذلك عند الالتزام به فى إصلاح قوة الإبصار فى العين الضعيفة قبل 8 سنوات من عمر الطفل حيث يصعب علاج الكسل الوظيفى بعد مرور 8 سنوات من عمره.
ومن أسباب الحول الظاهرى حدوث شلل كلى أو جزئى فى الأعصاب المغذية لعضلات العين ومن أشهر أسبابه إصابة العصب الثالث أو السادس عند مرضى السكر غير المنضبط أو شلل العصب الرابع عند إصابات العين أو الرأس المباشرة أو غير المباشرة وقد يؤدى ارتفاع ضغط المخ لأى سبب من الأسباب إلى تأثر الأعصاب المغذية لعضلات العين فتصاب العين بشلل فى الحركة والذى يظهر عادة على شكل حول مفاجئ.
وتنحرف العين فى اتجاهات مختلفة وقد يصاحب ذلك ارتخاء فى الجفن أو اتساع فى حدقة العين تساعد على التشخيص وقد يحتاج الطبيب المعالج إلى إجراء فحوصات مثل الرنين المغناطيسى على المخ أو تحاليل قياس مستوى السكر فى الدم وغيرها لتشخيص سبب إصابة الأعصاب ولحسن الحظ أن معظم هذه الحالات تستجيب للعلاج الدوائى ومنشطات الأعصاب والتى يصاحبها تحسن ملحوظ فى حركة عضلات العين وقد يضطر الطبيب المعالج لإجراء بعض الجراحات لإصلاح ما تبقى من الحول أو ارتخاء الجفن أو غيره لتحسين الرؤية للمريض.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة