افتراضا ًلحسن النوايا، أقول أن فريق عمل برنامج "رامز ثعلب الصحراء" لم يكن يدرك أن هذه الفكرة العبقرية لبرنامج "مقالب" من طراز خاص يمكن أن تكون أحد مصادر الدعاية السلبية المسيئة لمصر خلال هذه الفترة تحديداً.
أكرر أن الفكرة جديدة والبرنامج يرتفع عدد مشاهديه لمئات الألوف، ومساحة الإعلانات اللهم لا حسد ربما تزيد عن وقت البرنامج بعدة أضعاف، غير أن هذا كله لا يبرر أبداً تنفيذ فكرة تعتمد بشكل أساسى فى جوهرها على دعم وتعزيز حالة الانفلات الأمنى التى نعيشها فى بلادنا طوال الشهور الماضية، فضلاً عن أنها تعمل فى الاتجاه المعاكس لفكرة الترويج السياحى، وكأننا نقول للعالم كله أن بلادنا تعيش حالة غير مسبوقة من الانفلات الأمنى، وصلت الأمور فيها إلى استخدام أسلحة ثقيلة، وعنف فاق التصورات.
فى الوقت الذى تعمل فيه جميع أجهزة الدولة من أجل القضاء على ظاهرة البلطجة والانفلات التى انتشرت فى كل قطاعات المجتمع المصرى، وفى الوقت الذى يسعى فيه العاملون فى قطاع السياحة إلى الترويج لهذه الصناعة الحيوية والإستراتيجية بالنسبة للاقتصاد المصرى، وفى الوقت الذى يستعيد الاستثمار الخارجى عافيته، ويسعى الرئيس المنتخب من أجل رفع جميع المعوقات التى تقف حائلاً فى سبيل هذه العودة.. يدمر البرنامج الذى يشاهده الملايين من العرب فى جميع أنحاء العالم كل هذه الجهود، وهو يصور لهم أن الطرق والمنتجعات السياحية والسفر إلى مصر لم يعد آمنا.
لا أحد يقول لى إن مهنة الإعلام هى تسليط الأضواء على كافة الظواهر المجتمعية، والسلبية منها على وجه التحديد كى يضعها أمام المسئولين من أجل إيجاد حل لها، لسنا فى وقت لمثل هذه المثاليات والأخلاقيات، كما أن البرنامج لا يناقش الظاهرة بقدر ما يروج لها، ويضخمها، ويخلق حالة من الرعب فى قلوب المواطنين والقادمين إلى مصر، لا أريد أن أبدو منجماً وأن أؤكد أن الكثير من السائحين الراغبين فى زيارة مصر قد يراجعون أنفسهم ألف مرة إذا وقع تحت بصرهم إحدى حلقات هذا البرنامج ، خاصة أن قطاعاً كبيراً من المواطنين المصريين المحيطين بى شخصيا على الأقل قد انتابتهم حالة استياء واضحة من فكرة البرنامج فى هذا التوقيت الحرج والحساس فى تاريخ مصر.
وليس من قبيل المصادفة أن تتضافر جهود منتجى البرنامج مع أقرانهم من منتجى العديد من الأعمال الدرامية التى تعرض هذا العام، وجميعها تلعب على نفس الوتر ونفس الفكرة، الانفلات الأمنى، وللتذكرة فقط شاهدوا مسلسلات "البلطجى" و"طرف ثالث" و"خرم إبرة" و"رقم مجهول"، وغيرها من الأعمال التى تضرب فى مقتل كافة المجهودات المبذولة من أجل القضاء على هذه الظاهرة، جميع المتخصصين فى الإعلام يعلمون أن الإعلام قد يروج من حيث لا يدرى للظواهر السلبية، ويدفع المشاهدين إلى تكرارها من كثرة الإلحاح فى عرضها.
لا أريد فى النهاية أن أبدو ضد حرية الإعلام والإبداع، ولكنها المسئولية التى تفرض علينا التفكير فى مصلحة الوطن أولا قبل التفكير فى أنفسنا ومصالحنا الشخصية.. كفاكم تآمرا على هذا البلد الذى سيقف بإذن الله شامخا رغم مكر الماكرين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة