المصريون شعب عاطفى.. ليس فى ذلك أدنى شك.. ينفعلون ويثورون.. يهللون ويهتفون لمجرد كلمة مديح أو ذم من هذا أو ذاك.. يبلغ بهم الإحساس مبلغه.. وتنسال دموعهم.. ويعتصرهم الألم والوجع حينما يستمعون لحكاية محزنة ولو كان أبطالها من أساطير التاريخ.. يبكون بعنف وهم يشاهدون المسلسلات التركية حزنا على رحيل سمر وفراق مهند.. تغيب عنهم عقولهم قسرا أو قهرا وهم يتعرضون لأى خطاب عاطفى.. مصريون كثر تعاطفوا مع مبارك حينما ألقى عليهم بكلمات الموت والحرب فى خطابه الثانى، وخرجوا على الفضائيات يبكون ويصرخون، طالبين للرجل الرحمة والعفو.. بعض من هذا حدث فى الأيام الأولى لسقوط مبارك، حين بدأ بعض من نخبتنا للأسف الشديد يتحدث عن مستقبل مصر الباهر خلال سنوات قليلة قادمة.. حديث العاطفة التى أعمتها فرحة نجاح الثورة، فنطق اللسان بالأمنيات والأحلام الوردية، متغافلا عن واقع مرير عشانا فى كنفه ثلاثين عاما، لم يترك الفساد فيه قطاعا ولا مؤسسة ولا شخصا مسئولا حتى طاله من أول رئيس الجمهورية، حتى أصغر موظف فى أصغر جهاز حكم محلى فى مصر.. ترعرع المسئولون وتربوا وكبرت كروشهم حتى كادت أن تنفجر من فرط تخمتها، من وراء الرشاوى والمجاملات والإكراميات التى أعمت بصائرهم ووأدت ضمائرهم تحت التراب، فتركوا كل شىء فى البلد يسير على بركة الله، دون تخطيط أو تدبر، حتى وصل الحال إلى ما هو عليه الآن من خراب شامل، وانهيار يكاد يكون كليا فى كثير من القطاعات الحيوية فى البلد، لا يجب أن يتوقف نظرك عند ما يحدث فى السكك الحديدية فقط، حيث مئات المزلقانات بلا مانع أو رادع يمنع الناس من المرور، وآلاف الكيلو مترات من القضبان التى تحتاج إلى عملية إحلال جذرية، وعشرات القطارات المتهالكة التى تسير يوميا دون صيانة، وسائقها وراكبيها يعلمون ذلك تمام العلم.. انظر أيضا إلى قطاع الكهرباء لتجد عشرات المحطات المعرضة للانهيار والتوقف عن العمل فى كل لحظة، بعد عقود طويلة من الاستخدام غير المقنن، وسوء الإهمال، وعدم التجديد أو التخطيط للمستقبل، حال شركات المياه والصرف الصحى، لا يحتاج إلى ألفت انتباهك إليه، جميعنا يغرق يوميا فى برك الصرف الصحى التى تملأ الشوارع، أما ما يخرج من مواسير المياه، فليس فيها من المياه إلا حالتها السائلة، وما عدا ذلك فاسأل عنه عشرات الآلاف من مرضى الكبد والسرطان الذين يملئون مستشفيات مصر، ولأن الشىء بالشىء يذكر، فحال مستشفياتنا الحكومية، عافانا الله وإياكم، مثل حال ذرائب الحيوانات التى باتت ليلتها تأكل وتخرج روثها ثم نامت عليه، فاختلط بعضه بجسمها، والبعض الآخر ملأ المكان حتى لم يعد هناك موطأ قديم نظيف.. هل أحدثكم أيضا عن المدارس الحكومية أم المواصلات العامة أم الشوارع وما أدراك ما الشوارع بمطباتها وحفرها وبلعاتها.. جميعنا يعرف أننا نعيش فى بلد انهارت بنيته التحتية تماما، وتحتاج إلى خطة علمية ودقيقة لإعادتها للحياة من جديد.
لماذا تلومون مرسى وجماعته على فساد عشنا فيه جميعا سنوات طويلة.. إذا اشتكينا من حال المستشفيات طالبناه بسرعة وضع خطط عاجلة لإصلاحها بما يليق بمصر الثورة وكرامة الإنسان المصرى، وإذا اشتكينا من التعليم طالبناه بخطط مماثلة.. وإذا اشتكينا من الطرق والشوارع، صرخنا باللوم والعتاب نطالب بأولوية البحث عن حلول لطرق الموت التى تلتهم أرواحنا كل يوم.. وإذا، وإذا، وإذا .. نحن فى أمس الحاجة إلى قليل من العقل كى ننجو بهذا البلد.. البلد ليست بلد مرسى وجماعته فقط.. هى بلادنا جميعا.. مسئولون عنها جميعا، وسوف يحاسبنا الله على إهمالنا وتقصيرنا فى حقها.. اتقوا الله فى هذا الوطن قبل أن يضيع بلا رجعة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة