تناولت فى اليومين الماضيين ما كتبه الزعيم الأفريقى نيلسون مانديلا عن مصر وعبدالناصر فى مذكراته، وأستكمل اليوم ما جاء فيها من عبر ودروس أستخلصها من طفولته وصباه، واعتقاله 27 عاما متواصلة، ومما يتحدث عنه من طفولته وصباه:
- «ذات يوم تلقيت درسا من حمار جامح، كنا نتبادل تسلق ظهره وحينما جاء دورى قفزت على ظهره فجمح الحمار باتجاه شجرة شوكية، وألقى بى بعد أن خدشت وجرحت الأشواك وجهى، وسبب لى الارتباك فى حضور أصدقائى، ورغم أن الفاعل كان حمارا تعلمت قسوة إهانة المرء لغيره، فقد كنت أهزم زملائى دون إشعارهم بالمهانة».
- لا أتذكر أن حزنى على وفاة والدى كان بمقدار شعورى بالضياع، فرغم أن والدتى كانت مركز وجودى فإن معرفتى بذاتى كانت بنسبى إلى أبى، وقد غيرت وفاته حياتى كلها بطريقة لم أشك فيها فى ذلك الوقت.
- عندما بلغت السادسة عشرة قرر حاكم «الأكسهوسا» أن الوقت قد حان لأصبح رجلا، وفى «العرف» لا يتحقق ذلك إلا عن طريق الختان، وطبقا للتقاليد فإن الرجل الذى لا تجرى له العملية، لا يرث ثروة أبيه، ولا يتزوج، ولا يقوم بطقوس القبيلة، ولا ينظر إليه كرجل بل يظل صبيا، وتصحب عملية الختان طقوس معقدة لتعد الفرد لمرحلة الرجولة، وأقيم احتفال كبير للترحيب بنا كرجال «6» فى مجتمعنا، وفى كلمة المتحدث الرئيسى وكان رئيس عشيرة قال: «قمنا بختان زهرة شبابنا فى طقوس واعدة بالرجولة، لكننى أقول لكم إنه وعد خداع، وعد لن يتحقق لأننا نحن السود الأفارقة شعب مهزوم، إننا عبيد فى أرضنا».
لم تعجب هذه التعليقات «مانديلا»، واعتبرها مهينة من شخص جاهل: كنت حينذاك أنظر للرجل الأبيض على أنه صاحب فضل، ولكن دون أن أدرى سببا، بدأت كلماته تشغلنى، لقد ألقى بالبذرة التى رغم أنها ظلت نائمة لوقت طويل، أخذت تنمو فى آخر الأمر، وحينذاك تحققت أن الجاهل لم يكن الرئيس بل أنا.
يتحدث «مانديلا» عن العبر والدروس التى تعلمها من سجنه:
- حياة المعتقل روتينية تتماثل فيها الأيام حتى تختلط الأشهر والسنوات، وأى شىء يخرج عن القالب يقلق السلطات لأن الروتين علامة من علامات حسن الإدارة فى السجن، وكانت الساعات من أى نوع ممنوعة، وكنا نعتمد على الأجراس وصفارات السجانين وصيحاتهم لمعرفة الوقت، وكان من بين أوائل ما فعلته هو أن أسجل تقويما على الحائط، فإن الإنسان إذا فقد قبضته على الوقت فقد قبضته على سلامة عقله.
- التحدى الذى يقابله كل سجين وخاصة السجين السياسى هو المحافظة على ذاته فى السجن، وأن يخرج منه دون أن يتضاءل وأن يحتفظ بل يزيد من عقائده، وأول مهمة لتحقيق ذلك هو أن يتعلم المرء كيف يبقى، ولكى يتحقق ذلك، فلابد للمرء أن يعرف هدف عدوه.
- السجن يهدف إلى هزيمة معنويات الإنسان وتقويض عزمه، ولكى يتحقق ذلك تحاول السلطات استغلال كل ضعف وتحطيم كل دافع، وأن تبطل ما يدل على التفرد، وذلك لكى تقضى على تلك الومضة التى تضفى على كل آدمى هويته.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة