د.عثمان فكرى

بلد استثناءات صحيح!

الإثنين، 23 ديسمبر 2013 11:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا هو مقالى الثالث فى قضية الحد الأدنى والأقصى للأجور.. كنت أطالب فى مقالى السابق الحكومات المتعاقبة على هذا البلد سيئ الحظ أن تلبى طموحات المصريين الثائرين فى عدالة اجتماعية تكفى الفقراء شر السؤال، وتقرب الفجوة السحيقة بينهم وبين أباطرة موظفى الدولة فى قطاعاتها المختلفة من جامعى الملايين الذين لا يشبعون، ولا يرحمون.. وأخيرا استبشر المصريون خيرا بحكومة الببلاوى بعد أن عجزت الحكومات السابقة عن الاقتراب من هذا الموضوع إلا من خلال التصريحات والكلام الإعلامى المستهلك " لتثبيت " البسطاء والثائرين والحالمين بالتغيير.. ولكن الببلاوى أثبت بالتجربة أنه لا يختلف كثيرا عن سابقيه من رؤساء الحكومات، بل ربما يكون أسوأهم، لأنه بموافقته على قانون الحد الأدنى والأقصى باستثناءاته الكثيرة، يكون قد أقر واحد من أكثر القوانين جورا وخداعا وظلما للملايين التى خرجت وثارت وحلمت بأن تجد مقابل ما قدمته من دماء وشهداء.

اسبتشرنا خيرا حين أعلنت الحكومة عزمها تطبيق القانون، وحولت هذه العزيمة لأفعال على أرض الواقع، وأعلنت أن 1200 جنيه مصرى هو أقل راتب سوف يحصل عليه موظفى الدولة بدءا من يناير المقبل، وأن 35 ضعف هذا الراتب أى ما يعادل 42 ألف جنيه هو الحد الأقصى لدخول كبار الموظفين.. هذا الحدث انتظرته الثورة كثيرا، وخلق حالة عامة من الارتياح فى الشارع المصرى، لكن الفرحة سرعان ما تبددت بإعلان وزارة المالية أن تطبيق القانون لن يشمل الجميع، وأن الحد الأقصى للأجور سوف يتضمن(استثناءات) تشمل العاملين بالبنوك الحكومية والبنك المركزى والبورصة وقطاع شركات التأمين التابعة للدولة والشركات القابضة والبترول وأساتذة الجامعات وغيرها تحت دعاوى الحفاظ على الكفاءات والخبرات، بما يعنى وفقا لخبراء الاقتصاد أن التطبيق سيقتصر فقط على 8 آلاف موظف فقط من العاملين بالجهاز الإدارى للدولة مثل الصحة والتعليم والمحليات، وهو ما يخرج القانون تماما ونهائيا عن هدفه الفعلى وغرضه الحقيقى الذى من أجله طالب به المصريون، فغالبية موظفى الحكومة مهما تبلغ درجاتهم الوظيفية لا يصلون إلى الحد الأقصى (42 ألف جنيه ).
الأرقام تقول إن تطبيق الأقصى للأجور بدون استثناءات سوف يوفر للخزانة العامة (20) مليار جنيه، وهو رقم يمكنه أن يفعل الكثير فى دولة تعيش على المعونات والمساعدات الخارجية، وفى المقابل فإن تطبيق الاستثناءات لا يوفر للدولة سوى (2) مليار جنيه فقط لا غير.. والغريب أن الحكومة تتعامل مع القانون بوصفه أحد إنجازاتها الهائلة بعد 30 يونيو، ولكن الأغرب حقا أن يتقبل المصريون الثائرون هذا الهراء، ويرضون بقانون يقنن الفساد، ويوفر لأصحاب الرواتب المليونية فرصة " الغرف" الممنهج من أموال الشعب الفقير، و" حشو " أرصدتهم المتخمة فى البنوك الأجنبية والعالمية، ولا يمنح الفقراء قدرة كافية على مواجهة غلاء الأسعار والسوق المنفلت فى ظل أيد حكومية مرتعشة لا تراقب السوق ولا تعاقب المستغل ولا تحمى الضعيف.

الحكومة تصر على أن القطاعات المستثناة سيتم وضع حدود قصوى لدخولها كل فى فئته، وهو قول يستخف بعقول المصريين، ويفترض فيهم الغباء، وكأن الببلاوى ومن معه لم يتعلموا من دروس الثورة بموجاتها المتعاقبة، ولم يدركوا حتى الآن أن الثائر الحق هو الذى يجب أن تبحث الدولة عن احتياجاته وتلبيها له عن طيب خاطر، وأن عليها التوقف عن إرضاء الكبار من أجل اتقاء غضبهم، لأن غضبة الفقراء إن خرجت عن الطوق هذه المرة لن ترحم أحدا.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة