«الشيء الوحيد الذى منحه إياى والدى بخلاف الحياة، والبنية القوية، والصلة الوثيقة بعائلة «ثمبو» الملكية هو «دوليهلا هلا»، اسمى عند الميلاد، والمعنى الحرفى لاسمى هو «نزع فرع الشجرة»، ولكن معناه الدارج هو «المشاغب»، ورغم أننى لا أؤمن بأن الأسماء تصنع قدر الإنسان لكن فى السنوات التى تلت صار الأصدقاء والأقرباء يعزون الزوابع التى سببتها وواجهتها إلى اسمى، ولم اكتسب اسمى الإنجليزى المألوف «نيلسون» حتى يوم التحقت بالمدرسة».
بهذه الكلمات يبدأ الزعيم الأفريقى «نيلسون مانديلا» سرد سيرته الذاتية: «مسيرة طويلة نحو الحرية»، ترجمة الدكتورة فاطمة نصر، والصادرة عن «دار الهلال» عام 1995.
كتب «مانديلا» سيرته أثناء فترة سجنه بجنوب أفريقيا «27 عاما متصلة»، واستكملها بعد خروجه عام 1990، وفيها محبة وافرة منه نحو مصر، ففى عام 1961 تجول فى «سرية» إلى دول أفريقية من بينها مصر لفتح مكاتب لحزبه «المؤتمر»، ويتذكرها قائلا:
«كانت مصر قد تملكت خيالى وأنا طالب كمهد للحضارة الأفريقية، وكنز لجمال الفن والتصميم، وكنت دائما أرغب فى زيارة الأهرام وأبوالهول وعبور نهر النيل أعظم أنهار أفريقيا، ومن أديس أبابا ذهبت و«أو ليفر» و«روبرت ريشا» إلى القاهرة، وقضيت يومى الأول فى المتحف أفحص القطع الفنية وأدون الملاحظات، وأجمع المعلومات عن نمط الرجال الذين أسسوا حضارة وادى النيل القديمة، ولم يكن اهتمامى اهتمام هاوٍ للآثار، فإنه لمن المهم للأفارقة القوميين أن يتسلحوا بالبرهان الذى يدحضون به ادعاءات البيض بأن الأفارقة لم تكن لهم فى الماضى حضارة تضارع مدنية الغرب، واكتشفت فى صباح واحد أن المصريين كانوا يبدعون أعمالا فنية عظيمة بينما كان الغربيون فى الكهوف».
يضيف «مانديلا»: «كانت مصر نموذجا هاما لنا، فقد كان أمامنا على الطبيعة برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى أطلقه جمال عبدالناصر، فقد حدد الملكية الخاصة للأراضى الزراعية، وأمم بعض قطاعات الاقتصاد، وكانت له الريادة فى بدء برنامج سريع للتصنيع وجعل التعليم ديمقراطيا، وبنى جيشا حديثا، وكانت كثير من تلك الإصلاحات هى بالتحديد ما يطمح «المؤتمر» إلى أن يحققه، وكان الأهم بالنسبة لنا فى ذلك الوقت أن مصر كانت الدولة الأفريقية الوحيدة التى تمتلك جيشا وأسطولا بحريا وجويا يمكن أن يقارن بذلك الذى تمتلكه جنوب أفريقيا».
فى هذه الزيارة لم يلتق مانديلا بعبدالناصر، حتى كانت زيارته الثانية بعد 28 عاما، وطلب إضافتين لبرنامجها، زيارة ضريح جمال عبدالناصر، ومقابلة محمد فائق، رجل أمجاد عبدالناصر فى أفريقيا، وكان همزة الوصل مع «مانديلا» فى الزيارة الأولى.
قال «مانديلا» لـ«فائق»: «اعتذر عن موعد سابق تأخر 28 عاما»، وكان قصده عدم إتمام موعده بلقاء عبدالناصر بسبب زيارة الرئيس اليوغسلافى تيتو للقاهرة، واضطرار مانديلا لمغادرتها على أن يعود بعد أسبوعين لمقابلة عبدالناصر، لكن تم اعتقاله وسجنه 27 عاما، ثم جاءت الزيارة الثانية، فماذا كتب عنها؟.. غدا نستكمل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة