د.عثمان فكرى

سبوبة الثورة

الأحد، 17 مارس 2013 07:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
البعض استفاد.. والبعض تأذى.. هذا هو حال الناس بعد عامين من الثورة، إعلاميون وسياسيون ومثقفون ومتخصصون فى جميع المجالات ومن جميع التوجهات تسابقوا للظهور فى شتى وسائل الإعلام يعلنون عن أنفسهم، يروجون لأفكارهم وانتماءاتهم وتياراتهم، مستغلين وهج الثورة وشعاراتها وشبابها من أجل مبتغى مالى أو مطمع سياسى.. وفى الصورة أيضا شباب نراهم فى شوارع كثيرة فى شكل مجموعات تتكون من خمسة أو ستة أفراد، ذكور وإناث، معهم مجموعة من أدوات الطلاء البسيطة، فرش وعدة عبوات للطلاء بألوان مختلفة، يوزعون الأدوار فيما بينهم، بعضهم يمسك بالفرشاة ويبدأ فى طلاء جزء صغير من الرصيف، فيما يساعده آخرون يعدون له الأدوات والألوان، بينما يقع العبء الأكبر من المهمة، والجزء الأهم فى اعتقادى، على عاتق واحد من هؤلاء الشباب يقف بالقرب من الرصيف وبجانب هذه المجموعة يمسك بيده بجنيه، ويطلب من المواطنين المترجلين أو الراكبين فى سياراتهم التبرع من أجل إتمام هذه المهمة التى تبدو فى ظاهرها عملا إيجابيا يتناغم مع روح الثورة ومطالبها فى بناء مصرنا الجديدة، القصة حينما نعود بها إلى الوراء ندرك أنها أحد أشكال استغلال الثورة أو بمعنى أدق إحدى "سبابيب" الثورة، قبل عامين تقريبا وبعد رحيل المخلوع انطلقت دعوات كثيرة تطالب الشباب المصرى الثائر الذى أعاد الشكل الجمالى لميدان التحرير بعد 18 يوما هى عمر الثورة، حينما شمر الأولاد والبنات عن سواعدهم وهم ينظفون جنبات الميدان، ويعيدون ما أفسدته يد المعتدين حين أرادت إخلاء الميدان، وطرد من فيه .. أرادت هذه الدعاوى استثمار هذه الطاقة الإيجابية فى عمل جماعى كبير، وكان الهدف تنظيف شوارع مصر، وإعادة الوجه الحضارى إليها، شارك الآلاف فى جميع المحافظات، من لم يستطع أن يستقطع من وقته فى النزول إلى الشوارع والميادين لتنظيفها وطلائها، استقطع من ماله، وقدمه عن طيب خاطر لهؤلاء الذين قرروا أن يكون الجمال هو عنوان بلدهم.. كان الحلم كبيرا ومثاليا فى أن ننظف مصر شكلا ومضمونا، ظاهرها وباطنها، اعتقدنا أنه برحيل مبارك وأعوانه قد أتممنا عملية التنظيف الداخلى، لم يبق أمامنا إلا الشوارع والميادين، وبالفعل استطاعت هذه المجموعات الشبابية المدعومة من معظم فئات الشعب المصرى أن تعيد الحياة إلى العديد من الشوارع الرئيسية والفرعية، حتى بدت مصر بحالها تستعيد بريقها ورونقها الذى عرفه العالم عنها، وبمرور الوقت، ومع ضياع مطالب الثورة واحدا تلو الآخر، بل مع انحسار الثورة ذاتها، واقتصارها فى مجموعة مواجهات متكررة كل يوم جمعة بين حماة النظام، وحاملى الطوب والمولوتوف، اختفت هذه المظاهر الجميلة، وفجأة بدأ تقع أعيننا على مشهد مماثل لشباب يقومون بطلاء بعض جوانب الأرصفة، وكتابة بعض الكلمات عليها، لكن الجديد هذه المرة، كان تجرأ هؤلاء الشباب على المارة، ومطالبتهم بالمال فى مظهر أشبه بالمتسول "الشيك" الذى تراه يرتدى ثيابا نظيفة لا توحى بحاجته للمال، ثم يوقفك فجأة طالبا منك مبلغ مالى بعينه يعينه على الذهاب إلى منزله فى محافظته البعيدة، بعد أن سرقت حافظة نقوده.. تمرس ممارسى التسول على ابتكار أساليب جديدة، يأخذ المصريون البسطاء وقتا لإدراكها والتعامل معها.
لا أجد ما أختم به مقالى سوى أن أتحسر على ثورة شهد لها العالم، وكانت أملا وحلما لشعوب كثيرة، بينما لم تعد بالنسبة للكثير منا سوى "سبوبة"، يتفنن فى ابتكار الوسائل والأساليب التى تمكنه من تحقيق الاستفادة القصوى منها .. لك الله يا بلدى.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة