للزعيم الراحل جمال عبد الناصر مقولة خالدة هى "الخائفون لا يصنعون الحرية.. والمترددون لا تقوى أيديهم المرتعشة على البناء".. تذكرتها وأنا أقرأ ما نشرته صحيفة خاصة مؤخرا حول كواليس ما جرى فى اجتماع جبهة الإنقاذ الوطنى الذى أسفر عن رفض الحوار مع رئيس الجمهورية حول ضمانات العملية الانتخابية، ومقاطعة الانتخابات البرلمانية.. فالقارئ المتمعن لما نُشر، يكتشف أن خمسة من أبرز قادة الأحزاب المشاركة فى الاجتماع كانوا يؤيدون الذهاب إلى الحوار والمشاركة فى الانتخابات البرلمانية، وهم السيد البدوى رئيس حزب الوفد، ومحمد غنيم رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، وعمرو موسى رئيس حزب المؤتمر، وحمدين صباحى مؤسس التيار الشعبى والذى أعرب فى الاجتماع عن رغبته فى أن يمثل الدكتور عمرو حمزاوى الجبهة فى الحوار، وقال بحسب النص المنشور فى الصحيفة الخاصة "فيها إيه لما حمزاوى يروح الحوار الوطنى ممثلا عن جبهة الإنقاذ؟"، واستطرد حمدين قائلا: "شخصيا أؤيد المشاركة فى الانتخابات، لكنى موجود الآن فى اجتماع جبهة الإنقاذ للتعبير عن موقف التيار الشعبى الذى أعلن عدم المشاركة فى الانتخابات وأى حوار تدعو إليه رئاسة الجمهورية، وأنا ملتزم بالقرار"، وأخيرا الدكتور عمرو حمزاى الذى طالب بوجوب المشاركة فى فى الانتخابات البرلمانية لتحميل الرئيس مسئوليته عن خطر انهيار العملية السياسية أمام مصر كلها".. كما يكشف النص أيضا عن أن الدكتور محمد البرادعى طالب فى منتصف الاجتماع بتأجيل موقف الجبهة النهائى من الانتخابات لمدة 48 ساعة، نزولا على رأى الحزب المصرى الديمقراطى، وآراء وفد نواب الشعب السابقين فى المجلس المنحل الذين اجتمعوا بالدكتور محمد البرادعى قبل بداية اجتماع الجبهة، وطالبوه بتأجيل القرار لحين أن تضع الجبهة سيناريو بديلا أمام الشعب، غير أن طلب البرادعى قوبل بهجوم شديد من قبل قيادات الاحزاب اليسارية وعلى رأسهم سامح عاشور نقيب المحامين، والدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع.. كما يفهم أيضا من الكواليس المنشورة أن محمد سامى رئيس حزب الكرامة، وهو أحد الأحزاب اليسارية أيضا، كان رافضا بشدة المشاركة فى الحوار والانتخابات حتى أنه وصف المشاركين فى الحوار بـ"أشباه الرجال"، وهو الأمر الذى رفضته قيادات الجبهة.
هذه الكواليس إن صحت، وأنا على يقين كبير من ذلك، فهى تكشف عن عدة أمور أهمها: أن القيادات البارزة فى الجبهة والأكثر شعبية وتأثيرا (حمدين صباحى – عمرو موسى – محمد غنيم – السيد البدوى – عمرو حمزاوى) كانت تميل إلى قرار المشاركة فى الانتخابات حتى مع رفض بعض منها الذهاب للحوار الوطنى، بل أن الجبهة صارت سيفا ملسطا على إرادة الاحزاب ومواقفها من القضايا السياسية، فحين تقرر ثلاثة أحزاب كبرى هى الوفد والمؤتمر والمصرى الديمقراطى فى هيئاتها العليا المشاركة فى الحوار أو الانتخابات، ثم يضرب بآراء هذه الهيئات عرض الحائط حين تقرر الجبهة عكس ذلك، فإن هذا يعنى أننا أمام أحزاب تفتقر الرؤية السياسية والمرجعية الفكرية التى توجه بصلتها وتشكل مواقفها عن اقتناع كاف لتنفيذ إرادتها.. وأن القيادات اليسارية الناصرية (رفعت السعيد – محمد سامى – سامح عاشور) رغم ضعف حضورها فى الشارع السياسى، كانت هى الأكثر تشددا ورفضا وهجوما على أى قرار يخالف قرار المقاطعة التامة للحوار والانتخابات.. بينما لم يكن البرادعى حاسما لموقفه وقراره بشكل نهائى على الرغم من القرار المسبق الذى اتخذه حزب الدستور بمقاطعة الانتخابات، وأعلنه البرادعى فى تويتاته أكثر من مرة، غير أن جلوسه إلى أعضاء من الحزب الديمقراطى ونواب سابقين بمجلس الشعب دفعه للعدول قليلا عن هذا الموقف، وإظهار موقف أكثر مرونة، غير أن أنصار التيار اليسارى هاجموه بعنف، فتراجع عن قراره.
والسؤال الذى يشغل بالى الآن هو: من يقود جبهة الإنقاذ؟! فإذا كنا أمام آراء متباينة بين المشاركة والمقاطعة، واذا كان المؤيدون للمشاركة هم الشخصيات النافذة والبارزة فى داخل وخارج الجبهة، وإذا كان ممثلو اليسار داخل الجبهة هم وحدهم من يتشددون فى الرفض والمقاطعة، فلماذا إذن تنزل بقية أحزاب الجبهة على تشددهم هذا؟ هل تخشى هذه الأحزاب من الحركات الشبابية والثورية الغاضبة من سياسة الإخوان، ومن بينهم شباب الجبهة أنفسهم، وللعلم فإن هذه الحركات هى العمق الاستراتيجى والداعم المعنوى الأكبر لتوجهات الجبهة وقرارتها؟
ما فهمته هو أن قرار الجبهة ليس بيدها، أو بشكل أكثر دقة فإن الجبهة تضع العديد من الاعتبارات أمامها وهى تأخذ قراراتها، وأهم هذه الاعتبارات هى رد فعل الشارع الذى تظهره التظاهرات والاعتصامات ودعوات العصيان فى صورة الغاضب من سياسات الإخوان.. تسير الجبهة إذن خلف غضب بعض قطاعات المصريين، وتعلم بأنها إذا اتخذت ما يخالف هذا الغضب، فإن رصيدها ووهجها الإعلامى وبريقها السياسى سيفضى فى النهاية إلى لا شىء.. وحين فوتت الجبهة فرصة المشاركة فى حوار تم بثه على الهواء مباشرة، فهى قد روحت على نفسها فرصة ذهبية لكسب نقطة ضد الرئيس وجماعته، وممارسة الدور الحقيقى للمعارضة القوية التى لا تقاطع من أجل المقاطعة أو من أجل اتقاء غضب بعض من يسمون أنفسهم شباب الجبهة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة