د.عثمان فكرى

تمثال العجوة

الإثنين، 22 أبريل 2013 11:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يساور الإنسان الشك أحيانا فى أن أناسا من هذا الشعب قد قاموا بثورة، ونجحوا فى ثمانية عشر يوما فى التخلص من نظام حكم فاسد ظل جاثما على قلوبهم سنوات طويلة، ألقوا برأس هذا النظام وعدد كبير من ذيوله خلف القضبان، وهبوا يصطفون فى صفوف طويلة يمارسون حقوقهم الديمقراطية فى اختيار نوابهم ودستورهم ورئيسهم، ثم بدءوا يأكلون كل ما صنعته أيديهم وكأنها تماثيل عجوة عشقوها حتى جاعوا فقرروا التهامها.. البعض يأكل تمثاله لأنه لم يحقق له رغباته التى اشترطها عليه وهو يبنيه، والبعض الآخر يأكله لأنه ليس على هواه، لا يحب أن يراه فى هذه المكانة العليا، ويرى نفسه أحق منه بهذا المقام الرفيع.. كيف أصنعك وارقيك واضع التاج على رأسك، ثم أجدنى متوسلا إليك كى أتحصل منك على موعد أو تلبى لى طلبا؟ والبعض الثالث لا يحب العجوة نفسها، ومهما صنعت له منها من أشكال وأحجام، فلن يرضى عن سقوطها وزوالها وأكلها بديلا، يريد تمثالا على السكين، قلبه أحمر وطعمه طيب.. والبعض الآخر يريد أن يكون هو نفسه التمثال، ولما لا.. ما الذى ينقصه؟ لقد كان على بعد خطوات قليلة من هذا الحلم، لكن ويا للأسف الشديد لم تكن كمية العجوة تكفى لصنع تمثال كامل، لم يكن الرأس موجودا.. وتمثال بلا رأس لن يجد من يعشقه.

ثائران رفضا أن يتشاركا فى كمية العجوة.. كل منهما رأى نفسه فى التمثال، وظن أن ما يمتلكه كافى لهذا الغرض.. لكنه الطمع وسوء تقدير الأمور، والزعامة التى رسمها كل منهما فى خياله.. عاشا فى الحلم حتى استيقظا على كابوس الهزيمة، فجن جنونهما، وأقسما أغلظ الأيمان على أكل التمثال وصاحبه مهما كلفهما ذلك من ثمن... الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة تبدو حلا نموذجيا للدخول فى الحلم من جديد لعله يكتمل هذه المرة.. كان حمدين صباحى وحده هو من يتبنى هذه الدعوة.. كان حمدين واضحا ومباشرا منذ البداية، منذ أول كلمة خطت فى الدستور الجديد، وهو يطالب بانتخابات رئاسية مبكرة تماشيا مع الدستور الجديد الذى يجب معه أن يعاد بناء مؤسسات الدولة جميعها من جديد بما فيها رئاسة الجمهورية، لم يسأل أحد حمدين إن كان هو من يسكن القصر، فهل يغادره طواعية راضيا مرضيا ليدعو إلى انتخابات رئاسية جديدة؟!! وبمرور الوقت ومع الموافقة على الدستور الجديد، ومع فشل محاولات رفضه وإسقاطه، عاد حمدين وتياره الشعبى للتأكيد على أن مرسى فشل فى إدارة الدولة ووجب إسقاطه، ولكن لأنه لا يجوز إسقاط رئيس منتخب، وحتى لا تصبح سابقة تطول الجميع، أخذت الدعوة شكلا أكثر شياكة، وهو أن يدعو الرئيس نفسه لانتخابات رئاسية مبكرة للتأكيد على شرعيته التى فقدها بسوء إدارته للدولة طوال الشهور السابقة، وما زال حمدين يدعو.. مؤخرا عاد عبد المنعم أبو الفتوح للظهور من جديد، وكان يجب أن يكون ظهورا مدويا يعوضه غياب الفترة الماضية التى فقد فيها الكثير من البريق والوهج، ولم يجد أنسب من تبنى سياسة الهجوم العنيف ضد الدكتور مرسى وجماعته، مطالبا بضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة لإنقاذ البلاد من الانهيار والسقوط.. كانت الدعوة غريبة على أبو الفتوح لأنه لم يرتد ثوب حمدين منذ البداية، وكان رافضا بشدة مسألة إسقاط رئيس جمهورية منتخب، بل وظل يردد كثيرا أن الرئيس محمد مرسى يجب أن يستكمل فترته الانتخابية.. ما السر وراء انقلاب أبو الفتوح على الجماعة؟ هل تجاهل الرئيس لمبادراته للحوار أم رغبته فى اللحاق بالركب الثائر أم شعوره أن مركب الإخوان بدأت تميل نحو أحد جوانبها، وأن المياه بدأت تتسرب إليها، ولم يتبق على غرقها الكثير، فقرر النجاة بنفسه ومناصريه، والعودة إلى الظهور الفاعل فى الساحة السياسية من جديد تمهيدا لانتخابات رئاسية قادمة؟ تبدو جميعها أسباب قابلة للتفكير والنقاش.. ولكن واقع الحال أن أبو الفتوح وحمدين سقطا طوال الشهور الماضية، كما يسقط مرسى، وفقدا من أنصارهما، كما فقد مرسى، وأن انتخابات رئاسية جديدة لن تأتى بأى منهما مرة أخرى، كما أنها لن تأتى بمرسى.. والأيام بيننا.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة