فى مقاله أمس الأول، الثلاثاء، قدم الكاتب الكبير الأستاذ فهمى هويدى رؤية حول الوضع فى سوريا، تحت عنوان «معضلة سوريا بين كارثة الاستمرار وزلزال السقوط»، تشمل تقديم حلين للأزمة، أتوقف أمام حل وصفه بـ«السيئ»، وأفضل فى رأيه بـ«اللاحل»، ويتمثل فى عقد اتفاق بين الطوائف السورية يستلهم فكرة مؤتمر «الطائف» الذى رعته المملكة العربية السعودية لإسدال الستار على الحرب الأهلية اللبنانية التى استمرت 15 عاما، وقامت فكرة الاتفاق على المحاصصة الطائفية، واقتسام السلطة بين القوى الرئيسية المتصارعة الموارنة، والشيعة، والسنة. والمحاصصة فى الحالة السورية تشمل اقتسام السلطة بين السنة، والعلويين، والأكراد، والدروز، كل حسب نسبته.
هذا هو اجتهاد الأستاذ فهمى هويدى الذى يعنى أنه يهدينا نظاما طائفيا جديدا، وإذا كان ضمن المآخذ على نظام بشار الأسد أنه يستخدم لعبة الطائفية، فإننا أمام رأى يطالب بتقنينها، وتحويلها إلى مسار سياسى شرعى تتفق عليه الأطراف المتصارعة وبرعاية دولية وإقليمية. والمثير أن الأستاذ فهمى يستلهم التجربة اللبنانية فى ذلك، لكنه يغفل فى الوقت نفسه ما آلت إليه الأمور فى لبنان من طائفية أدت إلى بلد تحكمه الطوائف، مما جعله أرضا خصبة لكل التدخلات الدولية والإقليمية بأجهزة مخابراتها، وأصبح لدينا فى لبنان سنة يرتبطون بالسعودية، وشيعة يرتبطون بإيران، ومسيحيون يرتبطون بفرنسا، ودروز بين هذا وذاك، بالإضافة إلى مناخ مهيأ لأطماع وتدخلات إسرائيلية مستمرة، وكل هذه الطوائف تسلح نفسها لغد قد تأتى معه حرب طائفية جديدة، فما بالنا لو أن هذا الخيار «الطائفى» امتد إلى سوريا؟، كيف سيكون ولاء السنة والعلويين والأكراد والدروز؟
كارثة الطائفية فى لبنان انتقلت إلى العراق بإرادة الخارج، ودعاتها فى الداخل العراقى، وحسب الوزن السكانى لكل طائفة تم تقسيم سلطات الدولة، وها نحن نرى نتائجها، حيث أصبح العراق بلدا ممزقا يتم الاقتتال فيه على الهوية، الشيعة يقتلون السنة، والسنة يقتلون الشيعة، ودعوات تنظيف العراق من المسيحيين لا تنتهى، وها هم أهل السنة يعلنون حاليا فكرة الإقليم المستقل، وتكوين جيش خاص بهم، ومثلما حدث فى لبنان، أصبحت الكلمة العليا لكل طائفة فى العراق تأتى من الخارج، وأصبحت أرضا تسكنها «القاعدة»، وجماعات إرهابية أخرى، فماذا سيكون عليه الحال لو تم تقسيم سوريا «طائفيا»؟، هل ستكون أحسن حالا من العراق؟، هل تقوم الثورات أو يتم التخلص من أنظمة استبدادية حتى يكون نصيبنا فى النهاية تنفيذ كل المخططات الخارجية التى تحول البلاد العربية إلى طوائف؟.
ما يحدث فى سوريا الآن ليس ثورة بالمعنى الصحيح للثورة، فلا ثورة يقوم شعب بها تكون نتيجتها تقسيما طائفيا، هى حرب أهلية بامتياز، والذين أفسدوا الثورة هم هؤلاء الذين دخلوا الأراضى السورية وحملوا السلاح باسم الجهاد، مما عزل الشعب السورى عن ثورته، وإذا كان الشعب السورى يستحق نظاما أفضل من نظام بشار المستبد، فلا يعنى ذلك براءة الذين دخلوا سوريا ورفعوا شعارات «القاعدة».
الحل يأتى بعودة الثورة السورية إلى حضن أهلها، ورفع يد الأطراف الخارجية عنها، وخروج كل الذين ذهبوا إلى سوريا لحمل السلاح، تلك خطوة أولى يتم بعدها تقرير الشعب السورى لمصيره.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة