سألت نفسى: ماذا يمكننى أن أفعل لو كنت مكان الرئيس محمد مرسى وليس أمامى سوى أيام قليلة على تظاهرات غاضبة ستنطلق يوم الـ30 من يونيو، ولا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى.. ماذا أفعل وأنا أقرأ يوميا تقارير مختلفة من جهات أمنية عدة جميعها تحذر من غضب كبير ودماء مصرية يمكن أن تسيل، واستقرار وطن بأكمله يمكن أن يوضع على المحك؟ ماذا أفعل وأنا محاط بمشاكل داخلية وخارجية تحتاج منى أن أمد يدى إلى الجميع أطلب منهم المشورة والعون ؟
لو كنت مكان الرئيس، لقررت أولا أن أخلو بنفسى فى غرفة مغلقة ذات إضاءة خفيفة، أغمض عيناى، وأسأل نفسى ما الذى حدث ؟ وما الذى وصل بنا إلى هذه اللحظة الحرجة فى تاريخ أقدم أوطان الكون ؟ وأسترجع ما جرى منذ اللحظة الأولى، وتحديدًا منذ أن قررنا فى جماعة الإخوان المسلمين المشاركة فى ثورة يناير.. ماذا كان الهدف وهل كانت النية خالصة لوجه الله والوطن ؟ وحين قررنا عدم خوض الانتخابات البرلمانية بمنطق المغالبة، ثم تراجعنا وقررنا المزاحمة فى جميع المقاعد، وحين قررنا عدم ترشيح أيا من أعضاء الجماعة فى الانتخابات الرئاسية، ثم لم نكتفِ بمرشح واحد، وقدمنا اثنين من أبرز كوادرنا ورجالنا.. كنت أنا واحد منهم.. وكانت المبررات أن تغير قواعد اللعبة السياسية، فرض علينا تغير الحسابات والقرارات.. وحين شاء القدر والناخبين أن أجلس فى موقع السلطة الأعلى فى البلاد.. ماذا صنعت ؟ وماذا قدمت لهذا الوطن الجريح ؟
كانت الآمال كبيرة.. والطموحات تفوق كل الإمكانات.. حقا ظن الناس أن مجرد تنحى مبارك وسقوط رجاله، يعنى أن دولة جديدة وقادرة يمكن لها أن تقوم فى ظرف سنوات قليلة ( فى اليوم التالى للتنحى شاهدت عمنا أحمد فؤاد نجم على إحدى الفضائيات الخاصة، يقسم أن مصر ستصبح مثل اليابان خلال أربع سنوات فقط.. أرجوك لا تضحك أو تسخر.. هكذا كانت الطموحات والأمنيات لدى الجميع).. لم يكن أحد يدرى حجم ما ننتظره من مشاكل وصعاب. أدمنت السلطة الحاكمة فى مصر أن تعامل الشعب على أنها الوصية عليه بحكم أنها الأكثر معرفة واطلاعا ودراية بكل صغيرة وكبيرة فى البلاد، ومن ثم فهى الأولى أن تخطط وتقرر وتنفذ، وعلى الشعب السمع والطاعة.. كان هذا أحد أخطاء مبارك الكبيرة، ومن بعده استمر المجلس العسكرى فى سياسة إخفاء الحقائق عن الناس إما خوفا من ردة الفعل أو أملا فى تحسن لم يأتِ أبدا.. وهكذا أيضا تعامل الرئيس مرسى.
لو كنت مكان الرئيس لقررت منذ اليوم الأول اللجوء إلى الشعب فى كل كبيرة وصغيرة، أصارحه بحقيقة الأوضاع سياسيا واقتصاديا وأمنيا، أطرح عليه المشكلات، والحلول المقترحة.. وأطلب من الجميع المساعدة بالرأى والمشورة، وأظن أن على الرئيس أن يسارع الآن لخطاب طويل من هذا النوع، يعتذر فى بدايته عن تقصيره فى حق الشعب لعدم اطلاعه على الأمور أولا بأول، ويبدأ فى شرح وافٍ ومفصل لحقيقة كل شىء جرى طيلة عام من الحكم، ليس خطابًا من ذلك النوع الذى يلقى على مسامع نواب مجلسى الشعب والشورى، ولكنه خطاب الأزمة الذى يكشف كل شىء.. حقيقة القروض الخارجية.. وشروط صندوق النقد الدولى.. وماهية العلاقات المصرية الخليجية بشكل عام بعد الثورة.. والوضع المتوتر مع دولة الإمارات بشكل خاص.. ولماذا يصمت النظام عن اتهامات التورط فيما يجرى بسيناء.. ما هى أسرار علاقة الجماعة بالجماعات الجهادية فى سيناء، ولماذا يدعى قادة هذه الجماعات إلى محافل رسمية يحضرها الرئيس شخصيا؟ وما حقيقة تورط حماس فى كل هذا ؟ ولماذا لم يطلع الشعب على تحقيقات استشهاد جنودنا فى رفح ؟ أن الناس لا تعرف حتى الآن كيف تم تحرير الجنود المختطفين.. من يصدق هذا ؟.. خبايا وأسرار العلاقة مع تيارات وأحزاب المعارضة تبدو هامة للغاية فى هذا الخطاب.. لماذا يرفض الكثيرون منهم المشاركة فى دعوات الحوار العديدة التى دعوت إليها ؟ لماذا يتشككون فى كل دعوة وكل وعد؟ لا يمكن أن نلوم المعارضة وحدها سيدى الرئيس.. انظر أولا كم وعدا وعهدا قطعت على نفسك، ولم يتحقق منها غير النذر اليسير.. أعلنت أكثر من مرة أن لديك معلومات خطيرة عن تورط عدد من الجهات الخارجية والداخلية والشخصيات العامة فى مؤامرات تستهدف أمن الوطن ونظام حكمه، وفى الوقت نفسه تعلن أنك مستعد للذهاب إلى الجميع، ثم لا أجد ترجمة لأيا من هذا ولا ذاك على أرض الواقع.. ألا تدرك سيدى الرئيس أن كل هذا يضعف من ثقة الناس فى قوة النظام الحاكم، ويشعرهم بالإحباط.. أما أن تعلن بالدليل كل ما لديك من معلومات وتبدأ فى محاسبة المتورطين بالقانون أو تعتذر للرأى العام وتحاسب من جرؤ على تضليل الرئيس واللعب به.
اللجوء إلى أشخاص آخرين خارج دائرة المستشارين الذين ثبت فشلهم غير مرة خطوة هامة نحو التفكير خارج الصندوق.. يحتاج الأمر إلى جرأة وسرعة أكبر فى التفكير والتنفيذ.. أؤمن أن من أتى بالصندوق لا يمكن أن يرحل بغيره، كما أؤمن أن المعارضين الذين ينفخون فى النار ليل نهار حتى تزداد اشتعالا، همهم الأول والأخير هو الكرسى الكبير، ولدى اعتقاد يقترب من اليقين أن أيا منهم غير قادر على تحمل المسئولية، وأنهم يفضلون دائما الحلول السهلة والسير وراء الشارع مهما كانت العواقب متحصنين فى ذلك بالأعداد الضخمة التى تمنحهم شرعية المعارضة، وفى المقابل يمنحوها شرعية العنف!!.. ولكنى فى نفس الوقت أؤمن أن الشعب هو مصدر الشرعية الأول، وأن حاكما لا يرضى عنه قطاع كبير من شعبه لا يمكن أن يضيف كثيرا إلى وطنه.. سيدى الرئيس اتخذ قرارك واخرج إلى شعبك وصارحهم بكل شىء، واطرح عليهم حلولا سريعة ووعود صادقة، فإن قبلوا تكون قد حقنت دماء مصرية طاهرة، وإن رفضوا فلذلك حديث آخر إن شاء الله.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة