د.عثمان فكرى

الإعلام .. وعنصرية الإقصاء

الإثنين، 15 يوليو 2013 11:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قلنا مرارا وتكرارا إن للإعلام بمختلف وسائله دور حيوى فى بناء الوطن وتربية المواطن على أسس الممارسات الديمقراطية الصحيحة، وأساليب الاختلاف فى الرأى، وكيفية احترام وجهة النظر الأخرى، وإن بدت على طرف النقيض .. وقلنا أيضا إن ذلك لا يتأتى إلا بممارسات إعلامية واعية، وقادرة على إحداث التوازن فى التغطية والمعالجة حتى مع اختلاف التوجهات والسياسات .. وللأسف الشديد فقد كشفت الأيام القليلة الماضية منذ بيان القوات المسلحة وإعلان خارطة الطريق عن عنصرية فجة يمارسها الإعلام المصرى بمختلف أشكاله وأنماط ملكيته وانتماءاته الايديولوجية والفكرية.. عنصرية إقصاء الآخر، ومحوه من الوجود، والسير فى اتجاه واحد، وكأن المجتمع كله صار يعزف نفس النغمة بلا اختلاف.
تمارس وسائل الإعلام الخاصة والحكومية مؤخرا أسوأ أنواع المعالجات المهنية للأحداث فى مصر، حينما تتجاهل بشكل واضح رغبات وصيحات طائفة أخرى فى المجتمع ترفض ما حدث، وتتشكك فيما جرى ويجرى .. ولا توجه كاميراتها إلا فى اتجاه واحد، وتغض الطرف عمدا عن الاتجاه المقابل .. وتمارس من حيث لا تدرى سياسة الإقصاء، التى طالما اشتكت منها، فى أبشع صورها، حتى أنها أجبرت المشاهد الباحث عن التوازن، والساعى لاستجلاء الحقيقة بعيدا عن أية تحزبات سياسية أو رؤى مسبقة، أجبرته على البحث عن ذلك فى قنوات أخرى عربية ودولية تقدم له الجانب الاخر من الصورة .. والخطورة هنا أن يقع المشاهد فى أسر ما تعرضه هذه القنوات من مشاهد وفيديوهات ربما كان بعضا منها مسموما وملغما وخبيثا، غير انه فى النهاية هو المنتج الوحيد البديل فى سوق العرض.

لا أتصور أن تكون المواجهة بإطلاق الحملات الاعلامية لحث المواطنين على عدم مشاهدة هذه القنوات أو حذف تردداتها من النايل السات كما حدث مؤخرا.. هذا هو إقصاء جديد يمارس عن غير وعي، وقد تكون نتائجه عكسية تماما، وقد تدفع من لا يشاهد إلى أن يسأل نفسه عما تعرضه هذه القنوات إلى الحد الذى يقضى بمهاجمتها إلى هذا الحد، ولو من باب الفضول .. اعلموا يا سادة أن المواطن لم يعد هو هذا الكائن الابله الذى يجلس فاتحا فيه شاخصا بصره وهو يتابع وسائل الاعلام، مصدقا على كل مضامينها، ومؤمنا بها، بل صار المشاهد الآن يدرك أن لكل وسيلة أجندة وأولويات بعينها تسعى لترويجها، وتمويل يتحكم فى كثير من توجهاتها، ومصالح سياسية واقتصادية تعمل على دفعها للإمام، وكل ذلك على حساب الحقيقة، ومن يسعى إليها.

لقد أكدت النظريات العلمية الحديثة المعنية بالعلاقة بين المتلقى والوسيلة الاعلامية أن المتلقى يتفاعل مع النصوص الاعلامية ليصنع المعنى، وأن المعرفة لا تنتقل بصورة خطية من المؤلف إلى النص ثم إلى المتلقى فى النهاية، بما يعنى أن المتابعة عملية سلبية تماماً، ولكن حقيقة الأمر أن عملية المتابعة هى فعالة ونشطة يقوم فيها المتلقى بوعى أو بدون وعى بخلق نسخة خاصة به من النص، ويبنى معانى الموضوعات التى يتعرض لها عبر دخوله فى نقاش وحوار مع باقى أفراد المجتمع المؤيدين لوجهة نظره والمختلفين معها على حد سواء، ومن ثم يصبح الغرض الأساسى لوسائل الإعلام التى تقدم الأخبار وفقا لهذه النظريات هو مساعدة الأفراد فى بناء المعانى مع باقى أفراد مجتمعهم، حتى وإن اختلفت هذه المعانى عن المعنى الموجود فى ذهن صانعه، وكأن جمهور المتلقين هنا يمارس دوره كشكل من أشكال المعارضة السياسية للسلطة المهيمنة التى يجسدها ويمثلها فى هذه الحالة القائم بالاتصال بشكل عام، ومن ثم فإن اعتماد الوسيلة وصناعها على أن ما يطرحونه من مضامين سوف يأتى دائما أثره ويحقق مشاربه، ليس صحيحا على الدوام، وأن قسطا لا بأس من هذا الجمهور يصنع معناه الخاص بعيدا عن الغرض الحقيقى للمضمون الذى تعرض له، ومن ثم نعود من جديد لنؤكد أن اتباع الوسائل المعايير المهنية فى العمل الاعلامى هو الفيصل فى تأكيد مصداقيتها أمام جمهور بات متعطشا للمعرفة الكاملة، وليست القاصرة على جانب واحد فقط.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة