وأنا أعد مادة كتابى «أم كلثوم وحكام مصر» حكى لى الكاتب الراحل سعد الدين وهبة، أنه فى عام 1970 أبدى مراسل جريدة البرافدا الصحيفة الأولى فى الاتحاد السوفيتى وقتئذ رغبته فى إجراء حوار صحفى مع سيدة الغناء العربى أم كلثوم، فوافقت أم كلثوم على أن يحضر سعد الحوار للترجمة من الإنجليزية التى يتحدث بها المراسل، ولم تكن أم كلثوم تجيدها «كانت تتحدث الفرنسية»، وأثناء الحوار فاجأت أم كلثوم، سعد الدين وهبة بسؤال: «هو أنا بعك؟»، فرد عليها سعد: «ليه يا ست، كلامك عظيم وإجابتك موفقة»، فعلقت: «بحسب عشان أنا بلاقى كلامك بالإنجليزى قليل، لكن أنا كلامى بالعربى كتير»، فضحك سعد الدين وهبة قائلاً: «العربية بحرها واسع، ويلزمها أحيانا اختصارا لما نحولها إلى إنجليزية».
تذكرت هذه القصة الطريفة، وأنا أقرأ تقرير هيئة الإذاعة البريطانية «بى. بى. سى» ما سمته «ازدواجية اللغة» التى يستخدمها قيادات جماعة الإخوان فى التعامل مع الرأى العام الداخلى والخارجى، قائلة ان الازدواجية التى يستخدمها الإخوان بالإنجليزية والعربية اتضحت مع استمرار الأزمة بين الجماعة والحكومة، وأضافت: «اعتمد الإخوان على لغة وأفكار محددة فى مخاطبة الرأى العام الأجنبى تتناقض بشكل صارخ مع الرسالة التى يبعثون بها بالعربية لمؤيديهم».
هذا التقرير يكشف كيف كانت الجماعة تخاطب الغرب بلغة الديمقراطية وحقوق الإنسان واستخدام الصورة على نطاق واسع، وتصميمها على تصوير الجثث صفا واحدا، لتصديرها إلى الغرب كما لو أن فى مصر مذابح جماعية، وعلى لسان قادة المحرضين على الإرهاب مثل محمد البلتاجى سمعنا: قل وداعا لأمك وأبيك وزوجتك لأنك ستضحى بروحك للدفاع عن شرعية محمد مرسى بينما يكتب فى صحيفة «جرديان» البريطانية عن التزام الإخوان بـ«السلمية» وعدم اللجوء إلى العنف، فى الوقت الذى يمارس فيه الجيش أعمالا وحشية ومذلة.
نحن إذن أمام خطاب تحريضي وتعبوي للداخل، وخطاب يستخدم لغة معينة ومحددة دون إسهاب، لكن من يفعل ذلك ينسى قاعدة أساسية نعبر عنها نحن بمثل شعبى بسيط «الكدب ملوش رجلين»، وينسى فى نفس الوقت أن هناك لغة عليا تتحكم فى مثل هذه الأزمات وهى «لغة المصالح» التى لا يصمد أمامها جمال «العربية» و«عملية» الإنجليزية، وفى مثل «الكدب ملوش رجلين»، يأتى تقرير الـ«بى. بى. سى» بمثل راشق وهو، أنه فى سبتمبر 2012 أعاد الحساب الرسمى للجماعة على تويتر باللغة الإنجليزية تغريدة رسالة من نائب مرشد الجماعة خيرت الشاطر للسفارة الأمريكية قال فيها: «نشعر بالارتياح لعدم إصابة أى من طاقم السفارة بضرر بعد المظاهرات الاحتجاجية ضد الفيلم المسيء للرسول»، فردت السفارة الأمريكية قائلة: «شكرا وبالمناسبة هل راجعت التدوينات العربية، أمل أن تعرفوا أننا نقرأ هذا أيضاً»، وكان الحساب باللغة العربية يثنى بشدة على المظاهرات أمام السفارة.
يقودنا ذلك إلى التوقف طويلا أمام ما قيل بأن الإخوان كانوا بارعين فى مخاطبة الغرب عبر وسائل إعلامه، فهو الإعلام الذى تجبره آلياته ومجتمعاته إلى عدم الاستمرار فى الكذب حتى لا يفقد نفسه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة