إذا أردت أن تفهم جانبا من أسباب بكاء بريطانيا وأمريكا على ضياع حكم جماعة الإخوان لمصر فعليك بقراءة كتاب «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين» تأليف «مارك كورتيس» وهو صحفى بريطانى وكاتب ومستشار، وعمل زميلا باحثا فى المعهد الملكى للشؤون الدولية.
الكتاب ترجمه بحرفية عالية كمال السيد وصادر فى العام الماضى عن المركز القومى للترجمة، ويستند على الوثائق البريطانية التى رفعت عنها السرية، خاصة وثائق الخارجية والمخابرات، ويفضح تآمر الحكومة البريطانية مع المتطرفين والإرهابيين، دولا وجماعات وأفراد، فى أفغانستان وإيران والعراق وليبيا ودول البلقان وسوريا وإندونسيا ومصر ونيجيريا، وغيرهم.
يرصد الكتاب هذه العلا قة منذ سنوات طويلة، ويؤكد على دور بريطانيا المحرك والموجه للقوى المتأسلمة، وخططها لاغتيال القادة القوميين فى مصر وسوريا والعراق وإندونسيا وخاصة جمال عبد الناصر وسوكارنو، ويكشف الكتاب كيف ساند الأمريكيون بريطانيا فى هذا الصدد، واعترف الاثنان بأن عبد الناصر بقيادته الهائلة للقومية العربية، أجبرهما على مساندة نظم ظلامية ورجعية وضارة بسمعة مؤيديها، وأنهما جعلا القومية العربية عدوهم الأول.
يقول الكتاب: ظهر فى الشرق الأوسط عدو رئيسى اتخذ شكل القومية العربية الرائجة بقيادة جمال عبدالناصر فى مصر، التى سعت للنهوض بسياسة خارجية مستقلة، وإنهاء اعتماد دول الشرق الأوسط على الغرب، ولاحتواء هذا التهديد لم تساند بريطانيا والولايات المتحدة ملكيات وقيادات إقطاعية محافظة موالية للغرب فحسب، وإنما أقامت أيضا علاقات سرية مع قوى متأسلمة، خاصة الإخوان لزعزعة استقرار الحكومات ذات النزعة القومية والإطاحة بها.
يتحدث الكتاب عن تجنيد المخابرات الأمريكية لكثير من قادة المتأسلمين منهم سعيد رمضان مؤسس التنظيم الدولى للإخوان وتمويله بمبلغ 10 ملايين دولار وأجبروا الأردن على منحه جواز سفر، وقامت بتمويل الإخوان فى مصر ومساعدتهم فى سوريا، وتعاونت معهم هى وشركة أرامكو لتكوين خلايا منهم فى السعودية لمحاربة القومية العربية وجمال عبدالناصر.
يلفت الكتاب النظر إلى أن جماعات جهادية ومجاهدين أفرادا وجدت ملاذا آمنا فى بريطانيا، وحصل البعض منهم على حق اللجوء السياسى، مع مواصلة الانخراط فى أعمال الإرهاب فى الخارج، ولذلك عرفت مدينة لندن بـ«لندستان»، ويقول المؤلف: «إن بعض العناصر على الأقل فى العاصمة البريطانية سمحت للجماعات المتأسلمة، بأن تعمل انطلاقا من لندن ليس لأنها فقط كانت تقدم معلومات لأجهزة الأمن، ولكن أيضا لأنها كانت مفيدة للسياسة الخارجية البريطانية، خاصة فى الحفاظ على شرق أوسط منقسم سياسيا».
يورد الكتاب العديد من الوقائع فى هذه العلاقة السرية بدءا من ثورة يوليو عام 1952، حيث اجتمعوا بحسن الهضيبى مرشد الجماعة، وتم ذلك من وراء ظهر جمال عبدالناصر، فى الفترة التى سبقت مفاوضات عبدالناصر مع الحكومة البريطانية لجلاء قواتها عن مصر، ومن الخمسينيات إلى الآن تستمر العلاقة، ويكشف الكتاب عن تطورها فى زمن نظام مبارك حتى وصلت إلى ما نحن فيه الآن، وعن هذا مقال آخر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة