هى مفارقة بالفعل.. الجمهور الذى كان متهمًا بأنه سلبى غير مشارك و«حزب الكنبة»، نزل فى 30 يونيو وفى الاستفتاء على الدستور، بينما بعض الذين كانوا يتهمونه بالسلبية عايروه بالمشاركة والنزول، كأن الصورة انقلبت فى تبادل أدوار مثير للتأمل.. هو جدل كاشف عن بؤس بعض الأفكار الثورية، وأيضًا بؤس بعض الأصوات التى اعتادت الانطلاق من مقدمات خاطئة أحيانًا، وأحيانًا أخرى غير مدروسة.
فيما يخص الاستفتاء الأخير على الدستور، فقد انطلق البعض من مقدمة أن من نزلوا للمشاركة فى الاستفتاء هم النساء والكهول والعواجيز، بينما غاب الشباب بين 18 و25 سنة، وهى مقدمة لم تثبتها الوقائع، حيث لا إحصاءات نهائية، فضلاً على أن الطوابير والصور تشير إلى نسبة لا بأس بها من الشباب شاركت، هى تقريبًا نفس النسبة التى شاركت فى كل الاستفتاءات والانتخابات السابقة طوال 3 سنوات، وعلى الأقل تتوافر إحصاءات المرات السابقة. لكن الظاهر أن المشاركة هذه المرة كانت أكثر، خاصة ممن كانوا يسمون «حزب الكنبة» وهم لم يعودوا كذلك، خرجوا وشاركوا، مع ملاحظة أن المبالغة الغبية فى الدعاية لـ«نعم» كانت أحد أسباب تراجع البعض، وربما لو كانت الدعوة للمشاركة بالموافقة أو الرفض لأنتجت نسبة أكبر، ولعل جزءًا ممن دعوا للمقاطعة فعلوا ذلك كرد فعل على الدعاية المبالغ فيها للتصويت بالموافقة، وهذه ليست مسؤولية من نزلوا، لكنها أحد عيوب المبالغات والنفاق الرخيص.
ولا تتوقف المفارقات عند هذا، بل أيضًا هناك قطاع ممن شاركوا فى الاستفتاء الأخير بـ«نعم» صوتوا للدستور السابق أيضًا بـ«نعم»، وأيضًا فى استفتاء مارس 2011، وهو أمر قد يشير لتناقض، لكنّ له جزءًا إيجابيًا، وهو أن هناك أغلبية تريد المشاركة، وتعرف أهميتها، حتى لو كانت تتخذ مواقف متناقضة، لكنهم غادروا الكنبة، وأصبحوا إيجابيين، بل يفترض لدى أى تيار ثورى أن يتفاءل بهذه المشاركة من المرأة بكل أجيالها التى لم تتأثر بسنوات من محاولات حصارها والتقليل منها، واليوم نرى ليبراليين ويساريين يسخرون من تصرفات مهرجانية عفوية، هم أنفسهم يعجبون بها من شعوب أخرى.
بالعودة لمقولة غياب الشباب، فهى مقولة ليست مطلقة، لكنها تتعلق فقط ببعض الشباب، خاصة من تصدروا المشهد الافتراضى خلال السنوات الأخيرة، وتراجعوا لصالح أجيال جديدة لم تعد تتعامل بثقة تامة، بل تتخذ مواقفها بناء على قناعات، ويمكن التعرف على هؤلاء من نقاش على «فيس بوك» و«تويتر»، حيث يظهر الشباب الذى شارك بإنه يدافع عن اختياراته، ولا يجد مشكلة فى أن يتفق مع أهله من الآباء والأمهات أو «جيل الكهول» والعواجيز، ممن يمثلون فى الواقع الطبقة الوسطى وما حولها.
نحن أمام مفارقة، إن حزب الكنبة أصبح فى الشارع، بينما دعاة الجماهيرية والشعبية انتقلوا إلى الكنبة، واكتفوا بدور عواجيز الفرح.