العادى أن ينشغل الناس، دولة وسياسيين وأحزابا وتيارات بالحاضر والمستقبل، بانتخابات برلمانية قادمة وضرورية، ومجالس محلية و إزالة الجمود الإدارى والفساد، وتغييرات فى شكل الإدارة، حتى ننتقل من الحالة الجامدة للحالة الطبيعية، لكن ما يجرى الآن هو صراع حول التعريفات، بين فريقين يتصارعان على أسماء، وهل هى ثورة أم مؤامرة أم انتفاضة.
فريق خرج من بعد يونيو ليعلن أن ما جرى فى يناير لم يكن ثورة بل مؤامرة، وأن الثورة كانت فى يونيو فقط، متجاهلين الفساد السياسى والتردى الاجتماعى والجمود ومصادرة السياسة، وتراجع حال التعليم والصحة، وتزوير الانتخابات. كلها كانت أسبابا أخرجت المصريين إلى الميادين ليطالبوا بالتغيير، لم يكن منهم من قبض الثمن ولا منهم من باع أو اشترى، وليسوا هم فقط العشرات الذين تصدروا المشهد وأساءوا إلى فكرة التغيير. كل حدث هناك من يركبه أو يتربح منه ويتاجر به.
ونفس الأمر فى يونيو 2012 عندما خرج الناس ضد الاحتكار والفساد ومحاولة اختطاف الدولة. الذين شعروا بالخطر طالبوا بالتغيير، هم أيضا ليسوا العشرات الذين يتصدرون المشهد، بعد أن عينوا أنفسهم وكلاء لثورة يونيو، وأغلبهم إما أنه كان ينافق يناير، أو أنه ليس له علاقة بفكرة التغيير باعتباره كان تابعا أو مستفيدا من الوضع السابق.
هذا الجدل يدور فقط فى الإعلام، مواقع التواصل، ويديره «قرداتية» يريدون الكاميرات أو تصدر المشهد، بينما الشعب الذى شارك واعترض يريد تغييرا ونظرا للمستقبل، وليس مشغولا بالجدل السطحى الدائر والمشاحنات التافهة حول الأسماء. فريقان كل منهما عين نفسه وكيلا عن يناير أو يونيو، يديرون جدلا فقط فى الإعلام وداخل القاهرة ولا يغادرها.
النتيجة أننا وطوال أربع سنوات نمشى فى المكان نستمع أجوبة على أسئلة غير مطروحة، بينما أسئلة المستقبل عالقة لا تجد من يسعى للإجابة عليها. فريقان يتجادلان: هل يناير ثورة أم انتفاضة أم مؤامرة، وهل يونيو موجة أم ثورة جديدة؟ وليس لأحد منهم حق، و الثورة والدولة والمستقبل ليس ملكا لشخص أو تيار، أو حزب، ونجاحها أو فشلها بما تحققه من نتائج. إذا نجحت تصبح ثورة ونصف، وإذا لم تحقق غير هذا الجدل، فستبقى مؤامرة، أو ثورة إلا ربع.
الناس مشغولة بتغيير حقيقى، بمواجهة لفساد مايزال، وتعليم وعلاج فاشل، والوكلاء المزعومون فى الإعلام والأحزاب غير قادرين على إقناع الناس بأنفسهم، ويفضلون خوض صراع حول أسماء، يزرع اليأس والإحباط. وتعريفات سطحية بلا مضمون.